وقوله: (وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، غلبت مشيئتُه المشيئاتِ كلَها، وغلب قضاؤه الحيلَ كلَها، يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدا، تقدس عن كل سوء وحَين، وتنزه عن كل عيب وشَين، قال تعالى: ((لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) [الأنبياء: 23]).
هذا يتضمن المرتبة الثالثة من مراتب الإيمان بالقدر، والإمام الطحاوي ـ رحمه الله ـ في هذه العقيدة فرق الكلام في القدر وأبدا فيه وأعاد، فقد مضى كلام كثير، ونصوص كثيرة من عباراته تتضمن تقرير الإيمان بالقدر، وما يوجبه هذا الإيمان (?)، ولا شك أن الإيمان بالقدر ـ وهو الأصل السادس من أصول الإيمان ـ من الأهمية بمكان، وقد زلت فيه أقدام، وضلت فيه أفهام، وتحير فيه المتحيرون، وهدى الله إلى الحقِ أهلَ السنة والجماعة أهل الهدى والفلاح، فهم أسعد الناس في كل حق، وهم أسعد الناس بإصابة الصواب في هذا الباب، فهم يؤمنون بأن مشيئة الله عامة، لا خروج لشيء عن مشيئته، فكل شيء من الحوادث والحركات والسكنات العلوية والسفلية، حركة الأفلاك والملائكة والجن والإنس والجمادات، وكل صغير وكبير؛ فهو يجري بمشيئته تعالى وقضائه وتقديره، يجب أن نؤمن بأنه قد سبق به علم الله القديم، وسبق به كتابه الأول، وجرت فيه مشيئته، وهذا تحقيق كمال ملكه، فله الملك كله، لا خروج لشيء عن ملكه، فله التدبير