فأثبتوا القدر وعموم خلق الله، لكنهم سلبوا العبد قدرته واختياره وأفعاله، وقالوا: إن نسبة الأفعال إلى العباد مجاز، ومعناه: أنه ليس هو الراكع والساجد؛ لأنه ما فعل هذا بقدرته؛ إذ لا مشيئة له ولا قدرة.
فهذان قولان على طرفي نقيض.
وقد دل على إبطال المذهبين: مذهبِ القدرية والجبرية قولُ الله تعالى: ((لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ)) [التكوير: 28]، فأثبت المشيئة للعباد، ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [التكوير: 29] فجعل مشيئة العبد موقوفة على مشيئة رب العالمين سبحانه وتعالى.
وجاءت الأشاعرة فلفقوا كعادتهم وقالوا: أفعال العباد خلْقٌ لله، وكسب من العباد، لكن مفهوم الكسب عندهم هو: الفعل المقارن للقدرة المحدثة، وهذا بنوه على مذهبهم في نفي الأسباب.
فيرون أن العلاقة بين الأسباب والمسبَبَات، وبين قدرة العبد وأفعاله مجرد الاقتران، فيقولون: إن الله يفعل عند الأسباب لا بها، فليس عندهم باء سببية؛ بل يرونها للمصاحبة.
فهم يَقْرُبُون في هذا من قول الجبرية؛ لأن قولهم يتضمن: أنه لا أثر لقدرتهم في وجود أفعالهم، كما تقدم في ذكر ذلك في الأسباب (?) وقولهم: إن الماء لا أثر له في حصول الرِّي، ولا أثر للطعام في حصول الشِّبع، ولا أثر لقدرة العبد في حصول فعله. هذا قول الأشاعرة، وقد ذُكر كسبُ الأشعري من الأشياء التي لا حقيقة لها. (?)
والله أعلم بمراد الطحاوي؛ لأن كلمة الكسب في اللغة والشرع تطلق على الفعل ((بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) [الأنعام: 129]، ((بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [الأنعام: 108]