وقوله: (لقد التمس) هذا الذي نظر في القدر بقلب سقيم يطلب ما لا سبيل إلى معرفته؛ لأنه طلب ما استأثر الله بعلمه كما تقدم أن: (القدر سر الله تعالى في خلقه ... والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان ... فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه) (?) وهذا الكلام يؤكد ما سبق.
فالذي نظر في القدر على غير هدىً، وعلى غير بصيرة لم يعتصم بالوحي، فالمعتصم في كل المضائق هو دين الله أرسل به الرسل، وأنزل به الكتب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، من اتبع الرسل اهتدى، ومن أعرض عما جاءوا به ضل وتخبط في الظلمات.
وقوله: (بِوَهْمِه في فحص القدر سرا كتيما، وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما) سر كتيم أي: مكتوم، سرٌ استأثر الله بعلمه، ما دام أنه نظر فيه بقلب سقيم، ونظر فيه بوهمه وتكلف فسيعود بأقوالٍ في القدر هي إفك وكذب، فالجبرية، والقدرية النفاة، والإبليسية كلهم يشملهم هذا الكلام، عادوا بالكذب والإثم المبين، فالجبرية أعرضوا عن الشرع أو كذبوا به، والقدرية كذبوا بالقدر، والإبليسية طعنوا في حكمة الرب وضربوا أحكام الله بعضها ببعض.
وهنا انتهى ما يتعلق بالقدر مما ذكره المؤلف وقد أطنب فيه ـ رحمه الله ـ، وقد أحسن في هذه الكلمات الطيبة في التأكيد على وجوب الإيمان بالقدر، وأكد على أصل التسليم وهو أصل عظيم، وحذر من الخوض فيما لا سبيل إلى معرفته من أسرار القدر، وأشار إلى أحوال القلوب، وغير ذلك، فجزاه الله خيرا ورحمه، وسائر أهل العلم والإيمان.