لا علم له به، ولا يتكلف في البحث عما لا سبيل إلى معرفته، فما علمه قال به واعتقده وآمن به، وما خفي عليه رد علمه إلى عالمه.

وقوله ـ رحمه الله ـ: (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة وصحيح الإيمان)

هذا تعبير فيه شيء من التشبيه والاستعارة على طريقة أهل البيان، فقوله: (لا يثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم) فيصور المؤلفُ الإسلامَ كأن له قدم يقوم عليها، والتسليمَ بأنه مركب ثابت إذا اعتمد الإنسان عليه استقر وأمن من السقوط والاضطراب.

فلا يستقر إسلام العبد، وتحصل له الطمأنينة إلا إذا ثبتت تلك القدم على ظهر التسليم.

والاستسلام، والتسليم معناهما متقارب، قال تعالى: ((وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)) [لقمان: 22]

الإسلام: الاستسلام والانقياد، وهذا يقتضي عدم المنازعة؛ لأن من ينازع لم يسلم، وهذا الكلام يؤكد قولَه السابق: (فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -).

والتسليم أصل مهم، فإذا أصَّلت أصل الدين: الإيمان بالله ورسوله وكتابه، والإيمان بالله يتضمن أنه تعالى هو الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، وأنه تعالى رب كل شيء ومليكه، وأنه سبحانه وتعالى موصوف بالكمال منزه عن النقص، فلا ظلم ولا عبث في خلقه وشرعه وقدره؛ بل هو تعالى حكيم في ذلك كله، إذا حققت هذا؛ فكل ما يرد عليك عن الله تعالى وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا بد أن يقوم على التسليم؛ لأن المعارضة والمنازعة ما تجيء إلا من ضعف الإيمان بعدل الرب، ومن ضعف الإيمان بحكمة الرب.

وكل ما يعارض الحق فهو باطل؛ لكن تارة تكون المعارضة وقحة صريحة، كما يفعل الكفرة أو الذين قد تزلزل إيمانهم، أو كاد أن يزول،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015