تفسير النصوص بمعان بعيدة مخالفة لظاهرها، ولما دلت عليه سائر النصوص الأخرى الموضحة لها، فكل الآيات والأحاديث الواردة ـ مثلا ـ في اليدين مؤولة عندهم بخلاف ظاهرها، فيجعلون ذلك كله من قبيل المجاز والتخييل، وهذا كله ضد التسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فحكموا عقولهم، ولم يحكموا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فضلوا ضلالا بعيدا، وهذا ما يتضمنه قول المؤلف: (فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، ورد ما اشتبه عليه علمه إلى عالمه) وهذا هو الواجب، فما خفي على الإنسان فهمه وأشكل عليه؛ فعليه أن يقول: الله أعلم، والله تعالى يعلم نبيه - صلى الله عليه وسلم - ويعلمنا بقوله: ((قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ)) [الكهف: 22]، ((قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا)) [الكهف: 26]، ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)) [الإسراء: 36] فالواجب على المكلف فيما لم يعلم أن يفوض علم ذلك إلى الله.

وقوله: (ورد ما اشتبه عليه علمه إلى عالمه) فهناك أمور استأثر الله بعلمها، كحقائق ما أخبر الله سبحانه عن نفسه من أسمائه وصفاته، وحقائق اليوم الآخر، فهذا كله مما يخفى على العباد ولا يمكنهم معرفته؛ فالواجب في هذا هو التفويض، ورد علم ذلك إلى الله.

أما معاني النصوص؛ فالأصل أنها كلها يمكن فهمها، فما أخبر الله به عن نفسه، وما أخبر به عن اليوم الآخر هذه لا بد أن تكون معلومة لنا من جهة معانيها، لكن قد يخفى بعضها على بعض الناس في بعض الأحوال، فهنا قبل أن يعرف المراد، يرد ما اشتبه عليه؛ فيقول: الله أعلم به، ثم هذا لا يمنع التدبر والبحث لمعرفة المراد، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في القاعدة الخامسة من الرسالة التدمرية (?) «إنا نعلم ما أخبرنا به من وجه دون وجه»

وقوله: (ورد ما اشتبه عليه علمه إلى عالمه) هذا أدب رفيع، وهو مقتضى علم العبد بربه وعلمه بنفسه، فلا يتجاوز حده فيدعي علم ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015