ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
189- وكل معلوم بحص وحجى ... فنكره جهل قبيح في الهجا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح
يقول رحمه الله هنا: إن كل شيء معلوم بالحس أو بالعقل فإن إنكاره جهل قبيح، ويسمى مثل هذا الإنكار مكابرة.
وهذا يرد به على السوفسطائية، وهم الذين ينكرون الحقائق والمحسوسات، ويقولون: كل شيء فهو شك، وقال بعضهم: جزمك بأن كل شيء فهو شك، هو أيضاً شك، فإذا قلت: أنا أشك، قلنا: وهذا شك، إذا قلت: أنا اشك بأني أشك. قلنا أيضاً: وهذا شك، وهلم جرا؛. فهؤلاء ينكرون حتى الحقائق، حتى إنه يكلمك ويخاطبك، ويقول: أنا لا ادري هل أنا أنت أو أنت أنا؟! وهذا موجود، ويقال: إنهم إذا أرادوا النوم جميعاً ربطوا في رجل كل واحد خيطاً يخالف خيط الآخر، حتى إذا صحا لا يغلط، ويظن نفسه رفيقه، وهذا شيء عجيب، ويذكر عنهم أشياء عجيبة غير ذلك.
فنقول: هؤلاء لا شك قالوا قولاً قبيحاً؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يشكوا حتى في الله، وفي السموات، وفي الأرضين، حتى في كل شيء، وهو كذلك، فهم يشكون في كل شيء، ثم إن بعضهم يقول: ما دمت جزمت بالشك فأنا شاك به، وحينئذٍ لا يمكن أن أصل إلى يقين أبداً.
وكذلك الذي ينكر ما ثبت بالعقل، فإذا قيل له: كل حادث فلابد له من محدث، قال: لا أسلم بهذا، فنقول له: من القبيح أن تنكر شيئاً معلوماً