فقصة مريم فيها كرامة من عدة أوجه فقد فجاءها المخاض إلى جذع النخلة فجاءت إلى جذع النخلة لأن المخاض اضطرها أن تأتي إليه، وهي حامل تطلق، فوضعت الولد، وقيل لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) (مريم: 25) وهي امرأة نفساء، والمرأة النفساء عادة تكون ضعيفة، ثم قيل لها: هزي بجذع النخلة دون أن تصعدي إلى أعلاها، والهز بجذع النخلة لا يتأتى بل إنه صعب، فإن الرجل القوي إذا صعد إلى أعلاها وهزها تهتز، لكن إذا هزها من أسفل لا تهتز، لكن مريم قيل لها: هزي بجذع النخلة فهزت فاهتزت النخلة، وهذه كرامة (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) (مريم: الآية25) ، يعني مخروفة بيسر، والعادة أن الرطب إذا تساقط من فوق النخلة، فإنه يفسد ويتفضخ، لكنه في شأنها بقي رطبا جنيا، وهذه كرامة، ولما جاءت تحمل الولد فقيل لها معرضين لها بالزنى: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً) (مريم: 28) ، (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ) (مريم: الآية29) فكلمهم، وهذه كرامة.
فهذه كرامة وهي في الحقيقة تشبه آيات الأنبياء، لكن الفرق بينهما أن آيات الأنبياء تأتي من النبي، وكرامة الأولياء تأتي من ولي متبع للنبي، وهذا الولي لا يقول إنه نبي أبداً، وقد لا يزكي نفسه ولا يقول إنه ولي فتأتيه الكرامة.
فإن قيل: كيف كان القرآن آية؟ أبلفظه أم بمعناه أم بصدق مخبره أم بماذا؟
فالجواب: أنه آية بكل معنى الآية في اللفظ والأسلوب والمعنى وأنه مهما كررته فلا يمكن أن تمل منه، وهذه الفاتحة نكررها في اليوم مرات ومرات ولا