القرآن: وذلك في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء: 192) (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (الشعراء: 193) (عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء: 194) (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: 195) (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (الشعراء: 196) ، والقرآن ليس مكتوباً في زبر الأولين، بل هو متحدث عنه في زبر الأولين.
فيكون قوله: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (الواقعة: 77) (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) (الواقعة: 78) ، وقوله: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) (البروج: 21) (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (البروج: 22) يعني التحدث عنه وذكر شأنه وحاله، ولا يتعين أن تكون الآية دالة على أنه مكتوب، والدليل على أنه لا يتعين قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (الشعراء: 196) أي ذكره والتحدث عنه، لا أن القرآن نفسه مكتوب هناك؛ لأنه لو كان مكتوباً هناك لكان نازلاً قبل محمد صلى الله عليه وسلم بأعوام.
والخلاصة: أن القول بأن القرآن قديم قول منكر، بل نقول: القرآن مجيد كريم، ونصفه بما وصفه الله به، أما أنه قديم فلا يوصف بذلك، وهذا القول - أعني أن يوصف القرآن بالقدم - هو نزعة من نزعات الأشاعرة، الذين يقولون: إن كلام الله هو المعني القائم بالنفس، وهو قديم كقِدم العلم، أي لم يزل الله عز وجل مريداً للشيء عالماً به.
فيقولون: إن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه، وما يسمعه جبريل، أو يسمعه موسى، أو سمعه محمد صلى الله عليه وسلم في المعراج، فهذا عبارة عن أصوات مخلوقة تعبر عن كلام الله، أي أن الله خلق أصواتاً في الجو تعبر عن ما في نفس الله من الكلام، فهذا كلام الله عندهم، وقد قال بعض علمائهم المنصفين: الحقيقة أنه لا فرق بيننا وبين الجهمية؛ لأننا متفقون على أن ما يسمع ويقرأ فهو مخلوق، لكن الجهمية خير منهم في التعبير؛ لأن الجهمية