تَحَاوُرَكُمَا) ؛ لأن (يسمع) فعل مضارع لحكاية الحال، يعني يسمع حين تحاورتما فأخبر الله عن شيء مضى بصيغة المضارع الذي تحكى بها الحال، وحينئذٍ يتبين أن الله جل وعلا يتكلم بالقرآن حين إنزاله.
ويدل لذلك أيضاً أنه تقع مسائل فيجيب الله عنها، قال تعالى: (يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) (المائدة: الآية4)) ، والله لم يتكلم بهذا الجواب قبل أن يسألوا، بل بعد أن سألوا، إذاً فهو محدث. وهذا في القرآن صريح، قال تعالى: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) (الأنبياء: الآية2) ، وقد أَولَ من يقول إن القرآن قديم. قوله: (مُحْدَثٍ) بأنه محدث إنزاله، وهذا تحريف؛ لأن (محدث) اسم مفعول، ونائب الفاعل فيه يعود على الذكر لا على الإنزال، فقوله تعالى: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (الأنبياء: الآية2)) هو: أي الذكر، فصرفُ الضمير إلى غير الذكر تحريف.
فإن قال قائل: إن الله عز وجل يقول: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (الواقعة: 77) (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) (الواقعة: 78) ، وقال تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) (البروج: 21) (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (البروج: 22) ، وقال أيضاً: (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) (الواقعة: 78) (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة: 79) ، فهل يقتضي ذلك أن الله كتبه في اللوح المحفوظ قبل أن يتكلم به، وقبل أن ينزله على محمد صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب على ذلك أن قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (الواقعة: 77) (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) (الواقعة: 78) وقوله: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) (البروج: 21) (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (البروج: 22) لا تدل على أنه مكتوب في اللوح المحفوظ، إذ قد يكون المراد بذلك ذكره والتحدث عنه، وشأنه وعاقبته، بدليل قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (الشعراء: 196)) وإنه: أي