وهنا قول رابع: وهو أن التسلسل في المستقبل ممكن في الذوات نفسها، وفي ذوات أخرى تستجد فيما بعد، وأما التسلسل في الماضي ففي الذوات مستحيل، ومعنى ذلك أن قولنا: إن هذه الذات لم تزل ولا تزال موجودة وهذا مستحيل؛ لأنه ليس هناك شيء من المخلوقات يوصف بالقِدم كقِدم الله.

لكن ليكن معلوماً أن الله لم يزل ولا يزال خلاقًا، وأن هناك مخلوقات غير السماء والأرض؛ لأن المصلي يقول: ((ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد) (?) ، فهناك مخلوقات قبل السموات وقبل العرش لا نعرف ما هي؛ لأن الله لم يزل ولا يزال فعالا، ولا يلزم من هذا أن قدم المفعول كقدم الفاعل؛ لأنه باتفاق العقلاء أن المفعول مسبوق بالفاعل؛ لأن المفعول نتيجة فعل الفاعل، وفعل الفاعل وصف له، ولابد أن يكون الموصوف سابقا على الصفة، ثم المفعول بعد الصفة.

يعني لما كان عندنا مفعول وفعل وفاعل، فالمفعول لا شك أنه متأخر عن فعل الفاعل، وفعل الفاعل متأخر عن الفاعل، وعلى ذلك فلا يلزم من قولنا بقدم الحوادث أن تكون قديمة كقدم الله، وأن تكون شريكة لله في الوجود.

وهذا هو الحق الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (?) ، وقد شنع عليه خصومه تشنيعاً عظيماً، وقالوا: هذا قول الفلاسفة، وهذا قول باطل، ولكنه رحمه الله تخلص منهم بأنه لا يلزم من قدم المفعول أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015