أيضاً في الصواعق المرسلة، يقولون: جميع الكلام في اللغة العربية مجاز، وليس فيه حقيقة فإذا قيل: إن زيداً قائم، قالوا: إن زيداً قائم، ليس حقيقة؛ لأنه لا يقع الفعل على نفس الجملة، بل يقع على مدلولها.

وكذلك قولنا: خلق الله الإنسان، قالوا: ليس هذا القول حقيقة بل مجاز، وهكذا يأتون بأشياء يضحك منها المجنون لا العاقل.

وعلى كل حال فإننا نقول: ليس في القرآن مجاز، بل ولا في اللغة العربية مجاز؛ لأن المجاز أبرز علاماته أن يصح نفيه، ومن المعلوم أن الكلمة في مكانها ومعناها الذي دلت عليه وضعاً أو بقرينة لا يمكن نفيها.

وربما أورد علينا قول الله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا) (يوسف: الآية 82) وقيل: أليس هذا مجازا؟ وهل القرية تسأل؟ فنقول: بأن هذا ليس مجازا؛ لأن المخاطب يعرف المعنى، ولو أردت أن تحول القرية إلى الجدران والبيوت لقيل: إنك مجنون.

وأولاد يعقوب لما قالوا: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) (يوسف: الآية 82) ما كانوا يريدون من أبيهم ولا يمكن أن يفهم أبوهم أنهم يريدون أن يذهب إلى القرية ويقف عند كل جدار ويسأله هل سرق ابني؟ أبدا، فما كانوا يريدون هذا ولا خطر ببالهم، ويعقوب أيضاً يفهم أنهم لم يريدوا هذا، فإذا كان المتبادر من هذا السياق أن المراد سؤال من يصح توجيه السؤال إليه، بقي الكلام حقيقة.

فالأصل إذاً في الكلام الحقيقة، حتى عند القائلين بأن هناك حقيقة ومجازا، يرون أن الأصل في الكلام الحقيقة، ونحن إذا حملنا النصوص في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015