والمحافل في صغره، ويناظر ويفحم الكبار ويأتي بما يتحير منه أعيان البلد في العلم. فأفتى وله تسع عشرة سنة، بل أقل، وشرع في الجمع والتأليف من ذلك الوقت، وأكبّ على الاشتغال، ومات والده- وكان من كبار الحنابلة وأئمتهم- فدرس بعد بوظائفه وله إحدى وعشرون سنة، واشتهر أمره، وبعد صيته في العالم ... (?).
وهكذا بدأ شيخ الإسلام تقي الدين حياته العلمية حتى أصبح آية من آيات الله في الفهم وسعة الاطلاع، وقوة الحجة، وسرعة البديهة.
وصفه الذهبي: بأنه كان أبيض، أسود الرأس واللحية قليل الشيب، شعره إلى شحمة أذنيه، كأن عينيه لسانان ناطقان، ربعة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهوري الصوت، فصيحا، سريع القراءة، تعتريه حدة لكن يقهرها الحلم (?).
كان رحمه الله سخيّا جوادا، لا يرد سائلا قط، ويجود بكل ما يستطيع، حتى ولو يشاطره بعض لباسه الذي عليه، ومن طريف ما يروى في ذلك ما ذكره البزار قال: «حدثني الشيخ العالم الفاضل المقرئ أحمد بن سعيد قال: كنت يوما جالسا بحضرة شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه. فجاء إنسان فسلم عليه فرآه الشيخ محتاجا إلى ما يعتم به. فنزع الشيخ عمامته من غير أن يسأله الرجل فقطعها نصفين، واعتم بنصفها ودفع النصف الآخر إلى ذلك الرجل ... » اه (?).
وذكر البزار أيضا قال: «حدثني من أثق به أن الشيخ رضي الله عنه كان مارّا يوما ببعض الأزقة، فدعا له بعض الفقراء، وعرف الشيخ حاجته، ولم يكن مع