ومصنف العقيدة أثبت الصانع بهذا الطريق فإنه لمّا أثبت أنه صنع الممكنات أثبت علمه وقدرته فلا بد أن يثبت أولا وجود شيء ممكن ليس بواجب ليبني عليه ثبوت وجود واجب مبدع لوجود ممكن يتم ما سلكه، وأما مجرد إثبات وجود واجب فلا يفيد هذا المطلوب، فليفهم اللبيب هذا.

ولا ريب أنه اختصر هذه العقيدة من كتب أبي عبد الله بن الخطيب، وقد تكلمنا على ما ذكره أبو عبد الله الرازي مبسوطا في مواضعه ونحن نقدر وجود الممكنات ليتم ما ذكره المصنف من الدليل، ويتبين أن هذا الطريق أصح في العقل وأبين مما يذكر في كتب الأصول والأمهات التي اختصرت منها هذه العقيدة لكونها موافقة لطريقة القرآن، فإن الفاضل إذا تأمل غاية ما يذكره المتكلمون والفلاسفة من الطرق العقلية وجد الصواب منها يعود إلى بعض ما ذكر في القرآن من الطرق العقلية، وفي طرق القرآن من تمام البيان والتحقيق ما قد نبهنا على بعضه في غير هذا الموضع.

فنقول: إنه يمكن تقريرها بما نشاهد من حدوث الحوادث فإنا نشاهد من حدوث الحوادث حدوث الحيوان والنبات والمعادن، وهذه الحوادث ليست ممتنعة فإن الممتنع لا يوجد ولا واجبة الوجود بنفسها، فإن واجب الوجود بنفسه لا يقبل العدم وهذه كانت معدومة ثم وجدت فعدمها ينفي وجوبها ووجودها ينفي امتناعها وهذا دليل قاطع واضح بيّن على ثبوت الممكنات لكن من سلك هذا الطريق لم يحتج إلى أن يثبت إمكانها بحدوثها ثم يستدل بإمكانها على الواجب بل نفس حدوثها دليل على إثبات المحدث لها فإن العلم بأن المحدث لا بد له من محدث أبين من العلم بأن الممكن لا بد له من واجب فتكون تلك الطريق أبين وأقصر، وهذه أخفى وأطول من حيث يستدل بالحدوث على الإمكان ثم بالإمكان على الواجب.

وإن كان بعض الناس يستدل بالحوادث على المحدث فإن الحوادث لا تختص بما هي عليه إلا بمخصص فإنه يجوز أن تقع على خلاف ما وقعت عليه فتخصيص أحد طرفي الممكن لا بد له مخصص فهذا الاستدلال وإن كان صحيحا فليس بمسلك سديد فإن العلم بأن المحدث لا بد له من محدث أبين من هذا المحتاج إلى هاتين المقدمتين اللتين هما أخفى من ذلك، ومن استدل على الجلي بالخفي فإنه وإن تكلم حقّا فلم يسلك طريق الاستدلال فإن كل مستلزم للشيء يصلح أن يكون دليلا عليه إذ يلزم من ثبوت اللزوم ثبوت اللازم والدليل، وهذا من شأن الدليل فإنه من ثبوته ثبوت المدلول عليه، ولهذا يجب طرد الدليل ولا يجب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015