قال تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (?) «1» وقد علم بالعقل أن المثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، فلو كان المخلوق مماثلا للخالق للزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع، والخالق يجب وجوده وقدمه، والمخلوق يستحيل وجوب وجوده وقدمه، بل يجب حدوثه وإمكانه فلو كانا متماثلين للزم اشتراكهما في ذلك فكان كل منهما يجب وجوده وقدمه ويمتنع وجوب وجوده وقدمه، ويجب حدوثه وإمكانه فيكون كل منهما واجب القدم، واجب الحدوث، واجب الوجود ليس واجب الوجود يمتنع قدمه لا يمتنع قدمه، وهذا جمع بين النقيضين.
فإذا عرفت هذا: فنقول: إن الله سمى نفسه في القرآن بالرحمن الرحيم، ووصف نفسه في القرآن بالرحمة والمحبة كما قال تعالى: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً «2».
قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ «3» وقال تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ «4».
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ «5» ويحب المحسنين ويحب الصابرين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنهم بنيان مرصوص ونحو ذلك.
ومن الناس: من جعل حبه ورحمته عبارة عما يخلقه من النعمة كما جعل بعضهم إرادته عبارة عن ما يخلقه من المخلوقات، وهذا ظاهر البطلان، لا سيما على أصل الصفاتية، ومنهم من جعل حبه ورحمته هي إرادته ونفى أن تكون له صفات هي الحب والرضا والرحمة والغضب غير الإرادة.
فيقال لهذا القائل: لم أثبت له إرادة وإنه مريد حقيقة ونفيت حقيقة الحب والرحمة ونحو ذلك؟
فإن قال: لأن إثبات هذا تشبيه لأن الرحمة رقة تلحق المخلوق والرب ينزه عن مثل صفات المخلوقين.
قيل له: وكذلك يقول من ينازع في الإرادة أن الإرادة المعروفة ميل الإنسان إلى ما ينفعه وما يضره، والله تعالى منزه عن أن يحتاج إلى عباده وهم لا يبلغون ضره ولا نفعه بل هو الغني عن خلقه كلهم.