يوافقهم عليه أحد من هؤلاء ولكن هؤلاء هم وجمهور الفقهاء بل وجمهور الأمة يرون أن للأفعال صفات يتعلق الأمر والنهي بها لأجلها. وملخص ذلك أن الله تعالى إذا أمر بأمر فإنه حسن بالاتفاق وإذا نهى عن شيء فإنه قبيح بالاتفاق، لكن حسن الفعل وقبحه إما أن ينشأ من نفس الفعل والأمر والنهي كاشفان أو ينشأ من نفس تعلق الأمر والنهي به أو من المجموع.

فالأول: هو قول المعتزلة ولهذا لا يجوزون نسخ العبادة قبل دخول وقتها لأنه يستلزم أن يكون الفعل الواحد حسنا قبيحا، وهذا قول أبي الحسن التميمي من أصحاب أحمد وغيره من الفقهاء.

والثاني: قول الأشعرية ومن وافقهم من الظاهرية وفقهاء الطوائف، وهؤلاء يجعلون علل الشرع مجرد أمارات، ولا يثبتون بين العلل والأفعال مناسبة، لكن هؤلاء الفقهاء متناقضون في هذا الباب فتارة يقولون بذلك موافقة للأشعرية المتكلمين، وهم في أكثر تصرفاتهم يقولون بخلاف ذلك كما يوجد مثل هذا في كلام فقهاء المالكية والشافعية والحنبلية.

وإما أن يكون ذلك ناشئا من الأمرين، وهذا مذهب الأئمة وعليه تجري تصرفات الفقهاء في الشريعة، فتارة يؤمر بالفعل لحكمة تنشأ من نفس الأمر دون المأمور به، وهذا هو الذي يجوز نسخه قبل التمكين كما نسخت الصلاة ليلة المعراج من خمسين إلى خمس وكما نسخ أمر إبراهيم بذبح ابنه عليهما السلام.

وبالجملة فجمهور الأئمة على أن الله تعالى منزه عن أشياء هو قادر عليها ولا يوافقون هؤلاء على أنه لا ينزه عن مقدور الظلم الذي نزه الله سبحانه عنه نفسه في القرآن وحرمه على نفسه وهو قادر عليه وهو هضم الإنسان من حسناته أو حمل سيئات غيره عليه كما قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (112) «1».

وهؤلاء الجمهور لا يوافقون المعتزلة على قولهم إن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد ولا شاء الكائنات بل يقولون: إن الله خلق كل شيء وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لكنهم مع هذا يثبتون لفعله حكمة وينزهونه عن القبائح، وهذا قول الكرامية وغيرهم من أهل الكلام وهو قول الصوفية وأكثر أهل الحديث وجمهور السلف والأئمة وجمهور المسلمين والنظار ولكن ليس هذا موضع بسطه.

وهؤلاء يثبتون في إثبات النبوة ما سلكه ابن عقيل وغيره في مواضع أخر إذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015