متيقن لما أخبر به ليس فيه خطأ ولا غلط أعظم ما يتبين به صدق من أخبر عما رآه من الرؤيا أو عما رآه من العجائب وأمثال ذلك، فإن الخبر إنما تأتيه الآفة من تعمد الكذب أو الخطأ بأن يظن الأمر على خلاف ما هو عليه فإن كان من العلوم الضرورية التي كلما دامت قويت وظهرت وزادت زال احتمال الخطأ وما كان يتحرى الصدق الذي يعلم معه بالضرورة انتفاء تعمد الكذب هو وغيره من الأمور التي يعلم معها انتفاء تعمد الكذب ويزول معه احتمال تعمده، وأما العلم بالعدل فيما يؤمر به وبالعدل الفاضل فيما يأمره فهذا يعلم تارة ممّا نبينه من الأدلة العقلية ونضربه من الأمثال وهذا هو الغالب على ما يذكره الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أصول الدين علما وعملا وتارة يظهر ذلك بالتجربة والامتحان وتارة يستدل بما علم على ما يعلم.

وأيضا فقد علم أن العالم ما زال فيه نبوة من آدم عليه السلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فالنبيّ الثاني يعلم صدقه بأمور منها إخبار النبيّ الأول به كما بشر بنبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام الأنبياء من قبله، وكذلك بشر بالمسيح الأنبياء من قبله.

وتارة يعلم صدقه بأن يأتي بمثل ما أتوا به من الخبر والأمر فإن الكذاب الفاجر لا يتصور أن يكون في أخباره وأوامره موافقا للأنبياء بل لا بد أن يخالفهم في الأصول الكلية التي اتفق عليها الأنبياء كالتوحيد والنبوات والمعاد كما أن القاضي الجاهل أو الظالم لا بد أن يخالف سنة القضاة العالمين العادلين، وكذلك المفتي الجاهل أو الكاذب، والطبيب الكاذب أو الجاهل فإن كل هؤلاء لا بد أن يتبين كذبهم أو جهلهم بمخالفتهم لما مضت به سنة أهل العلم والصدق، وإن كان قد يخالف بعضهم بعضا في أمور اجتهادية فإنه يعلم الفرق بين ذلك وبين المخالفة في الأصول الكلية التي لا يمكن انخرامها ولهذا يتميز للناس في الأمراء والحكام والمفتين والمحدثين والأطباء وسائر الأصناف بين العالم الصادق وإن خالف غيره من أهل العلم في الصدق في أشياء وبين من يكون جاهلا أو كاذبا ظالما ويفرقون بين هذا وهذا كما أنهم يعلمون من سيرة أبي بكر وعمر من العلم والعدل ما لا يرتابون فيه وإن كان بينهما منازعات في أمور اجتهادية كالتفضيل في العطاء ونحو ذلك.

وأيضا فإذا أخبر اثنان عن قضية طويلة ذات أجزاء وشعب لم يتواطآ عليها ويمتنع في العادة اتفاقهما فيها على تعمد الكذب والخطأ علمنا صدقهما مثل أن يشهد رجلان واقعة من وقائع الحروب أو يشهدا الجمعة أو العيد أو موت ملك أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015