والعقاب والوعد والوعيد والحمد والذم بل إما لهذا وإما لهذا فأحبطوا جميع حسناته بالكبيرة التي فعلها، وقالوا: الإيمان هو الطاعة فيزول بزوال بعض الطاعة، ثم تنازعوا هل يخلفه الكفر على القولين، ووافقتهم المرجئة والجهمية على أن الإيمان يزول كله بزوال شيء منه، وأنه لا يتبعض ولا يتفاضل فلا يزيد ولا ينقص وقالوا: إن إيمان الفساق كإيمان الأنبياء والمؤمنين، لكن فقهاء المرجئة قالوا: إنه الاعتقاد والقول، وقالوا: إنه لا بد من أن يدخل النار من فساق الملة من شاء الله تعالى كما قالت الجماعة، فكان خلاف كثير من كلامهم للجماعة إنما هو في الاسم لا في الحكم، وقد بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع وبيّنا الفرق بين دلالة الاسم مفردا ودلالته مقرونا بغيره كاسم الفقير والمسكين فإنه إذا أفرد أحدهما يتناول معنى الآخر كقوله تعالى: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (?)، فإنه يدخل فيهم المساكين وقوله تعالى: إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ (?)، فإنه يدخل فيهم الفقراء، وأما إذا قرن بينهما كقوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ (?) فهما صنفان، وكذلك قوله تعالى: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ (?)، يدخل في المعروف كل واجب وفي المنكر كل قبيح، والقبائح هي السيئات وهي المحظورات كالشرك والكذب والظلم والفواحش.
فإذا قال: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ (?) وقال: وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ (?) فخص بعض أنواع المنكر بالذكر وعطف أحدهما على الآخر صارت دلالة اللفظ عليه نصّا مقصودا بطريق المطابقة بعد أن كانت بطريق العموم والتضمن سواء قيل إنه داخل في اللفظ العام أيضا فيكون مذكورا مرتين أو قيل إنه باقترانه بالاسم العام تبين أنه لم يدخل في الاسم العام لتغيير الدلالة بالإفراد والتجرد بالافتراق والاجتماع كما قدمنا، وهكذا اسم الإيمان فإنه تارة يذكر مفردا مجردا لا يقرن بالعمل الواجب فيدخل فيه العمل الواجب تضمنا ولزوما، وتارة يقرن بالعمل فيكون العمل حينئذ مذكورا بالمطابقة والنص ولفظ الإيمان يكون مسلوب الدلالة عليه حال الاقتران أو دالّا عليه كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ