النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) «1» ووضع إبهامه على أذنه وسبابته على عينه «2»، ولا ريب أن مقصوده بذلك تحقيق الصفة لا تمثيل الخالق بالمخلوق فلو كان السمع والبصر: العلم لم يصح ذلك.
الطريق الثاني: إنه لو لم يتصف بالسمع والبصر لا تصف بضد ذلك وهو العمى والصمم كما قالوا مثل ذلك في الكلام وذلك لأن المصحّح لكون الشيء سميعا بصيرا متكلما هو الحياة فإذا انتفت الحياة امتنع اتصاف المتصف بذلك فالجمادات لا توصف بذلك لانتفاء الحياة فيها وإذا كان المصحح هو الحياة كان الحي قابلا لذلك فإن لم يتصف به لزم اتصافه بأضداده بناء على أن القابل للضدين لا يخلو من اتصاف بأحدهما إذ لو جاز خلو الموصوف عن جميع الصفات المتضادة لزم وجود عين لا صفة لها وهو وجود جوهر بلا عرض يقوم به.
وقد علم بالاضطرار امتناع خلو الجواهر عن الأعراض وهو امتناع خلو الأعيان والذات عن الصفات وذلك بمنزلة أن يقدر المقدر جسما لا متحركا ولا ساكنا ولا حيّا ولا ميتا ولا مستديرا ولا ذا جوانب ولهذا أطبق العقلاء من أهل الكلام والفلسفة وغيرهم على إنكار زعم تجويز وجود جوهر خال عن جميع الأعراض وهو الذي يحكى عن قدماء الفلاسفة من تجويز وجود مادة خالية عن جميع الصور ويذكر هذا عن شيعة أفلاطون «3» وقد رد ذلك عليهم أرسطو وأتباعه.
وقد بسطنا الكلام في الرد على هؤلاء في غير هذا الموضع وبيّنّا أن ما يدعيه شيعة أفلاطون من إثبات مادة في الخارج خالية عن جميع الصور ومن إثبات خلاء موجود غير الأجسام وصفاتها ومن إثبات المثل الأفلاطونية وهو إثبات حقائق كلية خارجة عن الذهن غير مقارنة للأعيان الموجودة المعينة فظنوها ثابتة في الخارج عن أذهانهم كما ظن قدماؤهم الفيثاغورية أن العدد أمر موجود في الخارج بل وما ظنه