فإن الظاهر منهم هو الإسلام. فسارع شيخ الإسلام وأزال هذه الشبهة وأوضح للناس أنهم من قبيل الخوارج الذين قاتلهم الصحابة- رضي الله عنهم- وقال لهم بكل قوة وعزيمة: «إذا رأيتموني من ذلك الجانب- أي في جانب التتار- وعلى رأسي مصحف فاقتلوني». اه وبهذا زال ما وجد لدى بعض الناس وقويت عزائمهم.

وطلب منه السلطان أن يقف معه في المعركة، فقال له الشيخ: «السنّة أن يقف الرجل تحت راية قومه، ونحن مع جيش الشام لا نقف إلا معهم».

وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم، وليكون هذا أقبل للنفوس أوضح هذا عمليّا، فكان يدور على الأمراء والجند، ويأكل من شيء معه في يده.

ويقول: «إن الفطر أقوى لكم» ويتأول فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح حيث أصبح مفطرا.

وابتدأت المعركة، وكانت الدائرة في النهاية للمسلمين، وأعز الله جنده.

وكان لشيخ الإسلام فيها أعظم المواقف، وهي ما عرفت في التاريخ باسم «معركة شقحب» (?).

يقول ابن عبد الهادي في ذكر بعض مواقف الشيخ البطولية في هذه المعركة:

«ولقد أخبرني أمير من أمراء الشاميين ذو دين متين، وصدق لهجة معروف في الدولة قال: قال لي الشيخ- يعني شيخ الإسلام- يوم اللقاء، وقد تراءى الجمعان:

يا فلان أوقفني موقف الموت. قال: فسقته إلى مقابلة العدو، وهم منحدرون كالسيل، تلوح أسلحتهم من تحت الغبار المنعقد عليهم.

ثم قلت له: يا سيدي، هذا موقف الموت، وهذا العدو، وقد أقبل تحت هذه الغبر، فدونك وما تريد ... إلى أن قال: ثم حال القتال بيننا والالتحام، وما عدت رأيته، حتى فتح الله ونصر ... قال: وإذا أنا بالشيخ وأخيه يصيحان بأعلى صوتيهما، تحريضا على القتال، وتخويفا للناس من الفرار. اه (?).

وبهذا تبوأ ابن تيمية منزلة جهادية لا يستهان بها، وكان له الأثر الواضح في ميدان المعارك تنبئ عن هذا الإمام بأنه ليس إمام قلم فقط بل إمام قلم وسيف، وإنه رجل المواقف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015