بهذه الجمل الكثيرة العظيمة البينة الصريحة خلاف مفهومها ومقتضاها لوجب بيان ذلك إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ثم لا يقدر أحد أن يحكي عنهم أنهم جعلوا الكلام كلاما لمن أحدثه في غيره بل لا يوجد في كلامهم، قال ويقول، تكلم ويتكلم، إلا إذا كان الكلام قائما بذاته.

وإذا احتجت الجهمية من المعتزلة ونحوهم بأن أحدنا إنما كان متكلما لأنه فعل الكلام. قيل: هو لم يحدثه في غيره ولم يباين كلامه نفسه وأنتم تجعلون الكلام البائن للمتكلم كلاما له. فإن قالوا: ولا نعقل الكلام إلا كلاما لمن فعله بمشيئته وقدرته فإن كلام أحدنا لم يكن كلاما له بمجرد قيامه بذاته بل لكونه فعله.

قيل: أما كلام أحدنا فهو قائم به وهو تكلم به بذاته ومشيئته وقدرته فهو قد جمع الوصفين أنه قائم بذاته وأنه تكلم به بمشيئته وقدرته فليس جعلكم الكلام كلامه لمجرد كونه فعله بأولى من جعل غيركم الكلام كلاما له لمجرد كونه قام بذاته.

وهذا موضع تنازعت فيه الصفاتية بعد اتفاقهم على تضليل الجهمية من الفلاسفة والمعتزلة ونحوهم على قولين مشهورين، حتى القائلين بأن الكلام معنى قائم بنفس المتكلم وراء الأصوات تنازعوا في ذلك كما ذكره أبو محمد بن كلاب فيما حكاه عنه أبو بكر بن فورك.

قال ابن فورك: فأما صريح عبارته وما نص عليه في كتاب الصفات الكبيرة في تحقيق الكلام فإنه قال: فأما الكلام فإنه على ما عاهدناه منه معنى قائم بالنفس فقوم يزعمون أنه نعت لها، وقوم يزعمون أنه فعل من أفعالها إلا أنهم يعبرون عنه بالألفاظ والكتاب والإيماء، وكل ذلك قد يسمى كلاما وقولا لأدائه ما يؤدى عن تلك المعاني الخفيات.

وكذلك أبو بكر عبد العزيز ذكر في كتابه ما ذكره القاضي أبو يعلى عنه أن أصحاب الإمام أحمد تنازعوا في معنى قولهم: القرآن غير مخلوق، هل المراد به أنه صفة لازمة له كالعلم والقدرة أو أنه يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء؟ وهذه المسألة متعلقة بمسألة قيام الأفعال بذاته المتعلقة بمشيئته، هل يجوز أم لا؟

كالإتيان والمجيء والاستواء ونحو ذلك، وتسمى مسألة حلول الحوادث، وكل طائفة من طوائف الأمة وغيرهم فيها على قولين حتى الفلاسفة لهم فيها قولان لمتقدميهم ومتأخريهم.

وذكر أبو عبد الله الرازي أن جميع الطوائف تلزمهم هذه المسألة وإن لم يلتزموها وأول من صرح بنفيها الجهمية من المعتزلة ونحوهم ووافقهم على ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015