الثاني: إن المسألة ليست لغوية فقط بل كون الصفة إذا قامت بمحل هل يعود حكمها على ذلك المحل أو على غيره، هو من البحوث العقلية النافعة في هذا المقام، والسلف رضي الله عنهم عرفوا حقيقة المذهب وردوه بناء على هذا الأصل كما ذكره البخاري في كتاب خلق أفعال العباد وقال: قال ابن مقاتل سمعت ابن المبارك يقول: من قال: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا «1» مخلوق فهو كافر ولا ينبغي لمخلوق أن يقول ذلك «2»، وقال: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية «3».

وقال سليمان بن داود الهاشمي: من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر، وإن كان القرآن مخلوقا كما زعموا فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار إذ قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى «4» وزعموا أن هذا مخلوق ومن قال: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي «5» مخلوق فهذا أيضا قد ادعى ما ادعى فرعون فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار من هذا وكلاهما عنده مخلوق، فأخبر بذلك أبو عبيد فاستحسنه وأعجبه «6».

قال البخاري: قال أبو الوليد: سمعت يحيى بن سعيد وذكر له أن قوما يقولون: القرآن مخلوق، فقال: كيف يصنعون ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (?) اللَّهُ الصَّمَدُ (?) «7» وبقوله: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا «8» «9».

وروى عن وكيع بن الجراح أنه قال: لا تستخفوا بقولهم القرآن مخلوق فإنه من شر قولهم إنما يذهبون إلى التعطيل «10».

ومعنى كلام السلف أن من قال: «إن كلام الله مخلوق فحقيقة قوله أن الله تعالى لا يتكلم وأن المحل الذي قام به إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا «11» هو المدعى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015