رؤية الكفار لربهم في عرصات القيامة

المسألة الثالثة من مسائل الرؤية -وهي دون المسألة الثانية-: رؤية الكفار والمنافقين لربهم في عرصات القيامة، وهذه مسألة نزاع بين أهل السنة المتأخرين وغيرهم، قال شيخ الإسلام: (ولم يحفظ للصحابة فيها قول بيَّن)، والأقوال التي يذكرها أصحاب السنة والجماعة ثلاثة، وبعضهم يزيد فيها إلى أربعة، وبعضهم يجعلها خمسة، وهي:

القول الأول: أنه لا يراه في عرصات القيامة سائر أجناس الكفار سواء كانوا من المشركين، أو من أهل الكتاب أو من المنافقين، فلا يراه في عرصات القيامة إلا أهل الإيمان.

القول الثاني: أنه يراه سائر الكفار من أهل الكتاب وأهل الشرك وأهل النفاق، ثم يحتجب عنهم.

القول الثالث: أنه لا يراه إلا المنافقون دون بقية الكفار.

القول الرابع: أنه يراه المنافقون وغبرات من أهل الكتاب، أي: بقايا من أهل الكتاب.

القول الخامس: وهو التوقف في المسألة والكف عنها.

وإنما قيل: إن الأقوال ثلاثة؛ لأن من يقول بالقول الثالث لا يعارضون ما يقوله أصحاب القول الرابع، ويفسرون هذا النوع من أهل الكتاب بأنهم متحنفة أهل الكتاب، الذين لم يدركوا دين الإسلام.

وأما مذهب التوقف ففي كلام الأصوليين حينما يحكون المذاهب في المسائل الأصولية أو غيرها، كثيراً ما يذكرون مذهب التوقف، وهم أكثر الأصناف ذكراً للتوقف قولاً.

والصحيح أن التوقف الذي معتبره عدم العلم بالدليل لا يعد قولاً، وأما التوقف الذي يكون عن اشتباه في مورد الأدلة، فإنه يعد قولاً.

وإذا سئل عن الراجح، فإن المسألة ليس فيها قول يجزم به، فبعض ظواهر الحديث المخرجة في الصحيح تدل على أن المنافقين وطوائف من أهل الكتاب يرون ربهم، وإذا اعتبرت ظاهر القرآن، وظاهر كلام المتقدمين من السلف، فإنه يدل على أنه لا أحد من الكفار يرى ربه، وقد كان الشافعي ومالك والإمام أحمد يحتجون بقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] على رؤية المؤمنين لربهم، وهذا يعني أنهم يرون أن الكفار لا يرونه.

وهكذا قال شيخ الإسلام: إن ظاهر مذهب المتقدمين من السلف أن الكفار لا يرون ربهم، وهذا هو ظاهر القرآن؛ فكأن هذا القول هو الأولى في المسألة، وإن كان الخلاف في المسألة واسعاً وليست هي -بإجماع أهل العلم- من المسائل الأصول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015