الأشعري وابن كلاب أثبتوا صفة الكلام لله إثباتاً غير متصور في العقل، فقالوا: إن الكلام معنى واحد يقوم في النفس، ليس بحرف ولا بصوت، ولا يتعلق بالقدرة والمشيئة، وهذا مذهب شاذ أحدثه عبد الله بن سعيد بن كلاب وتبعه عليه الأشعري وأمثاله، وليس هو قول أهل السنة ولا يعرف عن أحد من سلف الأمة، بل كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قول مخالف للعقل فضلاً عن مخالفته للشرع.
فلما قال ابن كلاب والأشعري: إن الكلام معنى واحد يقوم في النفس ليس بحرف ولا صوت، جعلوا القرآن الذي هو حرف حكايةً أو عبارةً عن كلام الله، وليس كلاماً له، ولا شك أن هذا تناقض؛ فإن من أثبت الكلام لله، لزمه أن يجعله بحرف وصوت؛ لأن الكلام كذلك.
وهذا يقود إلى مسألة، وهي: حقيقة الكلام؛ فإن الذي أجمع عليه أهل السنة أن الكلام يتناول اللفظ والمعنى جميعاً، ليس هو اللفظ وحده ولا المعنى وحده، والمشهور عند النحاة أن الكلام هو اللفظ، وإن كان من يطلق ذلك من النحاة، ليس بالضرورة أنه يلتزم بعض النتائج المقولة في أصول الدين، ومن هنا قال ابن مالك:
كلامنا لفظ مفيد .... ... .
وجعلوا المعنى مدلولاً لهذا اللفظ، ولم يجعلوا لفظ الكلام متناولاً له، وغلط ابن كلاب والأشعري، فقالوا: إن الكلام هو المعنى وحده، وقال طائفة: إنه مشترك بين اللفظ وبين المعنى على الانفكاك، فيكون اللفظ وحده كلاماً ويكون المعنى وحده كلاماً.
والله سبحانه لم يذكر الكلام مطلقاً إلا وأراد به ما كان بحرف وصوت، وأما قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ} [المجادلة:8]، فمثل هذا السياق لا يدل على مذهب الأشعري، لأنه سياق مقيد، فضلاً عن كون طائفة من المفسرين قالوا في تفسيرها: أنهم يقولون فيما بينهم كلاماً لا يسمعه غيرهم.