قال المصنف رحمه الله: [نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره].
قوله: (إن الله واحد لا شريك له) ابتدأ الطحاوي رسالته بذكر مسألة التوحيد، ولكنه ذكرها مجملة، والجمل التي بعد الجملة الأولى تتعلق بتوحيد الربوبية، وأما توحيد الألوهية فإنه ذكره مجملاً.
وهذا يرتبط بمسألة: وهي أن كثيراً من المتأخرين -ولا سيما المتكلمين ومن تأثر بهم- إذا قرروا مسألة الاعتقاد وأصول الدين فإنهم يبتدئون بذكر توحيد الربوبية؛ لأنهم يعتبرون أن القول في الصفات يكون فرعاً عن هذا التقرير، وهذا الاعتبار من حيث الأصل لا إشكال فيه، لكن الغلط الذي وقع فيه المتكلمون هو من جهة أنهم لم يحققوا توحيد الربوبية إثباتاً إلا بنوع من الأدلة التي تستلزم تعطيل الصفات -كما هو مذهب المعتزلة- أو ما هو منها.
وعليه: فإن نفي الصفات عند المعتزلة، أو نفي بعض الصفات -كما هو مذهب الأشاعرة والماتريدية- جاء نتيجة لتقرير مسألة الربوبية بأدلة تستلزم إما تعطيل الصفات، كما هو مذهب المعتزلة، أو تعطيل بعضها وهي الصفات الفعلية، كما هو عند الأشاعرة والماتريدية.
مع أن مسألة توحيد الربوبية تعتبر أصلاً مقرراً في الأدلة الشرعية التي هي أدلة فطرية، وأدلة عقلية، وهناك مقاصد من الشريعة تدل على توحيد الربوبية الذي لم يكن محل خلاف بين المسلمين، ولا بين جمهور الأمم؛ فإن جمهور بني آدم يقرون بأصل الربوبية.
وإنما الأصل الذي بُعِثَ الرسل عليهم الصلاة والسلام بتقريره وتفصيله، وكان الغلط فيه شائعاً في بني آدم، هو توحيد الألوهية، لكننا لا نجد هذا التوحيد مذكوراً في كتب المتكلمين كثيراً، ليس لأن المتكلمين يرون جواز الشرك في الألوهية، وإنما لأنهم يعتبرون أن مسائل الصفات وما يتعلق بها من المسائل يرتبط تقريره بمسألة الربوبية، فلابد من تقرير توحيد الربوبية، ثم بعد ذلك تقرير مسائل الصفات والأفعال وغير ذلك.
وأما توحيد الألوهية فيرون أنه مسألة منفكة، وليس لها اتصال بهذا التقرير الذي اعتبروه، وهذا من أوجه غلطهم في هذا التوحيد.