قول المصنف رحمه الله: (وإن محمداً عبده المصطفى) أي: عبد الله، ولفظ العبودية هنا لفظ تشريف كقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] وقوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن:19].
وقوله: (ونبيه المجتبى) أي: أن الله اجتبى نبيه، (ورسوله المرتضى) أي: أن الله سبحانه وتعالى رضيه رسولاً له ورضي عنه، والمصنف ذكر نبوته ورسالته، وهو عليه الصلاة والسلام يسمى نبياً ويسمى رسولاً بالإجماع، وهذا يقود إلى ذكر مسألة الفرق بين النبي والرسول، وهي مسألة تكلم فيها المتأخرون كثيراً، وذكر بعضهم أقوالاً يُعلم أنها من الغلط.
والشائع في كلام أكثر الشراح أن النبي من أُوحي إليه بشرع ولم يُؤمر بتبليغه، والرسول من أوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه، وهذا ليس عليه دليل.
فإن الله سبحانه وتعالى قد أخذ الميثاق على أولي العلم الذين لم يأتهم وحي أن يبينوه للناس، فكيف بمن أوحى الله إليه وحياً، فلا معنى لهذا القول، وقد نُسب هذا القول إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكنه ليس كذلك، بل الصحيح الذي قرره شيخ الإسلام رحمه الله: أن النبي هو من أوحي إليه اتباع وتجديد شريعة نبي قبله، فهذا التكليف هو النبوة، ويكون الرسول على هذا التعريف هو: من بُعث إلى قوم بأصل التوحيد، وأما من كان المقصود من بعثته إما نسخ الشريعة السابقة، أو التثبيت لها، أو التجديد في بعض مسائلها مع كون القوم الذين بعث فيهم على أصل التوحيد، فإنه يُسمى نبياً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي).
وقد قال بعض العلماء: إنه ليس من شرط الرسول على هذا الوجه أن يختص بشريعة، بل قد يبعث بأصل التوحيد، ويكون موافقاً لشريعة رسولٍ قبله، وهذا تحصيل محتمل، والله أعلم به.
ومثلوا لذلك بيوسف عليه الصلاة والسلام؛ فإن الله قال: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ الله مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} [غافر:34] فظاهر السياق أنه رسول، وكان على ملة إبراهيم، أي: على شريعته.
وهذا تحصيل محتمل، لأن قوله: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي} [يوسف:38]، الظاهر أن المقصود به التوحيد.