الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد

وينبه في هذه المسألة إلى مسألة تقسيم السنة إلى متواتر وآحاد، وسبق الإشارة إلى ذلك، فإن التقسيم المستعمل عند علماء الكلام الذي قالوا به: أن الآحاد لا يستعمل في العقائد، وحقيقة هذا المذهب أن السنة كلها لا تستعمل في العقائد؛ لأنهم قالوا: إنما يستعمل المتواتر.

وجمهورهم يعرفون المتواتر بأنه: ما رواه جماعة عن جماعة بإسناد متصل يستحيل تواطؤهم على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس، وصفة المتواتر على هذا الوجه: أن يرويه من الصحابة عشرة، وعن كل واحدٍ من العشرة عشرة، فيكون الرواة عن الصحابة مائة، وعن هؤلاء المائة، عن كل واحدٍ عشرة وهكذا، وهذا قد صرح كثير من الحفاظ كـ ابن الصلاح ونحوه بأنه لا مثال له، وبعضهم يقول: إنه لا ينضبط له إلا حديثٌ أو حديثان.

فعلى هذه الطريقة لا يستدل بشيء من السنة إلا في محلٍ أو محلين، هذا إذا سلم هذا المحل أو ذاك، وعليه فحقيقة قول من يقول من المتكلمين وأهل البدع: إنه لا يستدل إلا بالمتواتر؛ أنه لا يستدل بالسنة في العقائد؛ إلا إذا فسر المتواتر بما هو معروف في كلام السلف، وهو ما تلقاه الأئمة بالقبول، فإن هذا إذا التزموا به لزم من ذلك بطلان عقائدهم وبدعهم، كأحاديث الرؤية والشفاعة وغيرها.

ولهذا فأهل البدع يقولون عن أحاديث الرؤية: إنها آحاد، ويقولون عن أحاديث الشفاعة: إنها آحاد، مع أنها في الحقيقة متواترة على المعنى المعروف في كلام الشافعي وبعض المتقدمين من أهل العلم، فالقصد أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقاه العلماء بالقبول، فإنه يجب التزامه.

وأما الأحاديث التي تنازع فيها المتقدمون من السلف، من أئمة السنة والحديث، ككثير من الأحاديث المنقولة في الأحكام، فإن هذه مقامها على قدر من الاجتهاد باعتبار صحتها، فمن صححها فإنه يعتبرها، ومن لم يصححها لنوع من النظر والعلم رآه في هذه الرواية أو هذا الإسناد، فإنه لا يجوز أن يضاف إلى مخالفة السنة والجماعة.

وكذلك الإجماع، يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: (والإجماع المنضبط هو إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم)، فإن الإجماع يُذكر في كلام أهل العلم، ويراد به إما الإجماع المنضبط، وهو الحجة اللازمة التي مخالفته بدعة وضلال، وإما أن يراد الإجماع السكوتي، وهو في الجملة حجة ظنية، وإن كان بين الأصوليين نزاع في حجية الإجماع السكوتي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015