الخلاف حول أهل الأعراف من هم

والقول بأن من استوت حسناتهم مع سيئاتهم فإنهم يوقفون عن دخول الجنة ثم يدخلونها، لم يجد الإمام ابن القيم رحمه الله والإمام ابن حزم مع جلالتهما دليلاً واضحاً عليه، ولم يستدلوا على هذا إلا بآية الأعراف في ذكر أصحاب الأعراف: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف:46]، فظاهر القرآن أن أهل الأعراف ينتظرون ثم يدخلون، لكن يبقى أن أهل الأعراف ما فسرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وألفاظ السياق القرآني بحكم كلام العرب لا يفهم منها ذلك، وإنما هذا اجتهاد قاله بعض السلف.

وقد نقل عن ابن عباس وابن مسعود وجابر أن أهل الأعراف: هم من تساوت حسناتهم مع سيئاتهم، إلا أن هذه الآثار لا يصح منها شيء عن الصحابة.

ومعلوم أن القاعدة: أنه إذا اختلف في تفسير آية، وللصحابة فيها قول، ولمن بعدهم قول، فإنه يؤخذ بمذهب الصحابة، وقاعدة ابن جرير في ذلك معروفة، إلا أنه لما ذكر تفسيرهم لأهل الأعراف، ذكر هذا عن ابن عباس وغيره، وذكر أقوالاً، ثم غلط قول من يقول بأنهم ملائكة، ورجح أنهم قوم من بني آدم، ولكنه ذهب إلى التوقف فيهم، فما جزم بأنهم من استوت حسناتهم مع سيئاتهم، مع أنه نقل هذا عن بعض الصحابة، وهذا موجبه أنه لم يصح عند ابن جرير شيء من هذه الروايات عن الصحابة.

ثم إنه لو سلم جدلاً أن هذه الرواية صحيحة عن ابن عباس، فلا يلزم من هذا أن يقال: إن هذا مذهب سائر الصحابة والتابعين.

ثم إذا وقف الله سبحانه وتعالى قوماًَ من هؤلاء، لم يلزم أن يوقف سائرهم، فهذه كلها لوازم وتحصيلات ليست دقيقة.

وسائر الأدلة التي استدل بها ابن حزم وابن القيم رحمهما الله هي آيات الموازنة المذكورة في سورة الأعراف والمؤمنون وفي سورة القارعة، وهي في ذكر الكفر والإيمان كما هو صريح من سياقها، واستدلالهم بآية الأعراف استدلال مجمل، يحتاج إلى تفصيل من الشارع في حدهم، وعليه فنقول: هذا القول هو قول لطائفة من أهل السنة، وقد رد بعض أهل السنة والجماعة على الإمام ابن حزم رداً مشهوراً؛ لأن هذه المسألة أول من قررها بهذا الوجه هو أبو محمد ابن حزم في كتبه، وانتصر لها أبو عبد الله الحميدي صاحبه، وانتصر لها الإمام ابن القيم في طريق الهجرتين وغيره، فهؤلاء الثلاثة هم أشهر من قررها من أهل السنة من المتأخرين.

ولا ترى في كتب السلف المتقدمة كالشريعة للآجري والتوحيد لـ ابن خزيمة، والإيمان لـ ابن منده وغيرها، لا ترى أن فيها ذكراً لهذا الكلام على وجه من الوجوه؛ فالسلف أجمعوا على الإيمان بالموازنة لكن ليس على هذا التفصيل، فعليه يقال: إن هذا التفصيل قول طائفة من أهل السنة والجماعة.

وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: (وهذه المسألة فيها وجهان للمتأخرين من أهل السنة والجماعة من أصحابنا وغيرهم) ثم ذكر القول الذي ذكره ابن القيم، وذكر قولاً آخر، فهذه مسألة متأخرة لا ينبغي الجزم فيها، وأصول السلف مبنية على الأصول الثلاثة المتقدمة.

وهذه الآية: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] صريحة في إبطال مذهب الخوارج، وإبطال مذهب المعتزلة، الذين قالوا: إن أهل الكبائر يخلدون في النار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015