وهنا تنبيه في هذه المسألة؛ وهو أن الإمام ابن القيم رحمه الله نقل عن ابن حزم أنه يقول: (إن الموازنة في حق أهل الكبائر في هذه الأمة تكون مفصلة، قال: فمن ثقلت: أي فمن زادت حسناته على سيئاته بواحدة فإنه لا يعذب في النار، بل يدخل الجنة، وإن من زادت سيئاته على حسناته واحدة فإنه لا بد أن يعذب في النار ثم يخرج منها، وأما من استوت حسناته مع سيئاته، فإنه يحبس عن دخول الجنة شيئاً ثم يؤذن له بدخول الجنة، قال ابن القيم: وهذا هو قول الصحابة والتابعين، وكثير من الناس لا يعرفونه، بل لا يعرفون إلا قول المرجئة).
والصحيح: أن القول بهذا التفصيل، لا تصح إضافته إلى الصحابة والتابعين على هذا الإطلاق، فإنه لا دليل عليه، إنما دل الدليل على غلط قول المرجئة الواقفة، ودل على أن الله سبحانه وتعالى: (لا يظلم مثقال ذرة) وأما الجزم بأن من زادت سيئاته واحدةً أنه يدخل النار، أو أن الذين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد دخلوا النار في حديث الشفاعة من هذه الأمة، هم من زادت سيئاتهم على حسناتهم بواحدة فما فوق، فهذا ليس بلازم.
فمن زادت سيئاته على حسناته بواحدة، يمكن أن يغفر له قبل دخول النار، وليس هناك دليل يمنع أن يغفر له؟ والمغفرة هي محض حقه سبحانه وتعالى، ولو غفر لسائر أهل الكبائر لكان ذلك ممكناً، لكن لما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن طائفة منهم يعذبون ويخرجون بالشفاعة أو بمحض رحمة الله، وجب أن يقال: إنه من الإيمان، الإيمان بأن طائفة منهم يدخلون النار، ثم يخرجون منها، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى يغفر لمن يشاء، ولولا أخبار الشفاعة لما صح لأحد أن يجزم بهذا.
فهذا الجزم الذي جزم به الإمام ابن القيم رحمه الله ليس جزماً مناسباً، وليس عليه دليل.