وهي مما ينبغي الاعتناء به: وذلك أنه إذا نُظر في مقالة وقائلها فإنه يعتبر في هذه المقالة والقائل بعض المعتبرات:
الأول: النظر في حال المقالة عند السلف، ودرجة مخالفة هذه المسألة لمذهب السلف.
الثاني: أن ينظر في موجب هذه المقالة عند صاحبها.
فمثلاً: من نفى صفة قد يشترك هو وبعض أهل البدع في نفيها، لكن موجب النفي أهل البدع شيء، وموجب النفي عنده شيء آخر، كالحال التي عرضت لـ ابن خزيمة وبعض أهل العلم في بعض مسائل الصفات كمسألة إثبات الصورة، فمثل هؤلاء لا يخرجون عن مسمى السنة والجماعة، وإن كان الإمام أحمد لما سُئل عن حديث: (خلق الله آدم على صورته) قالوا: يا أبا عبد الله: إن قوماً يقولون على صورة آدم أو على صورة المضروب .. إلخ، قال الإمام أحمد: هذا قول الجهمية.
فمع قول الإمام أحمد فيمن منع تفسير حديث الصورة بما هو معروف عن السلف أنه قول الجهمية، فلا يلزم من هذا أن يكون ابن خزيمة جهمياً، ومثله قول الإمام أحمد: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ونسب للبخاري أنه يقول ذلك، وقصته مع الذهلي مشهورة، فلا يجوز بحال أن يقال: إن البخاري جهمي، فهذا كلامٌ لا يقوله إلا ساقط الفقه، وعليه أن ينفقه في هذا الباب موجبات المقالات.
وإنما كان السلف يقصدون بالتجهم والكفر وأمثال ذلك من الإغلاظ، مَنْ كان موجب هذه المقالات عنده أصولاً من الغلط البين، وعلامته أن يطرد على أصوله الفاسدة، وأما من كانت حاله على السنة والجماعة في الجملة، فإنه قد يقع في كلامه من الأقوال البدعية التي تكون مخالفةً للإجماع، بل قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى في المجلد التاسع عشر: (وكثيرٌ من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة، لكنهم لم يعلموا أنها من البدعة المخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بل كانوا يظنون أنهم موافقون للسنة، فمثل هؤلاء لا شك أنهم معذورون).
وحتى في مقالات الجهمية الكُفرية، يقول: (ومع هذا فهذه المقالات الكفرية تعرض لبعض أهل الإيمان فيقولها، ويكون عند الله مؤمناً ظاهراً وباطناً، ويكون قوله هذا غلطاً قد يغفره الله له).