فإذا قيل: كيف يكفر بترك العمل، مع أنه في الباطن مؤمن بالله ورسوله؟
قيل: ما يقع في الباطن من المعرفة مع ترك العمل، هو من جنس المعرفة التي تعرض لجمهور بني آدم المخالفين للرسل، وليست هي المعرفة النبوية التي سماها الشارع إيماناً صحيحاً، فهذه الحقيقة التي سماها الإمام ابن تيمية رحمه الله بالتلازم بين الظاهر والباطن، لا بد من فقهها، وإن كان بعض الناظرين من أهل السنة في المسألة ينازعون في قدر هذا التلازم، ولكن من المحقق ببداهة الشرع والعقل، أن ثمة تلازماً باعتبار الأصل، فالكفر الظاهر الذي هو كفر في حكم الله ورسوله لا بد أن يصاحبه في الباطن كفر، ولا يمكن أن يكون شخص في الباطن مؤمناً إيماناً صحيحاً، ويكون في الظاهر كافراً كفراً على حكم الله ورسوله، فهذه صورة قد يفرضها العقل، وليس لها وجود في الخارج.
وأما من كان في الباطن كافراً فقد يظهر ما يظهر من شرائع الإسلام ليحقن دمه وماله وولده، ومما يقرب هذا أنه بإجماع السلف وبصريح القرآن أن بني آدم -كما ذكرهم الله في أوائل سورة البقرة- ثلاثة أصناف، من كان مؤمناً ظاهراً وباطناً، ومن كان كافراً ظاهراً وباطناً، ومن كان في الظاهر مؤمناً أو مسلماً وفي الباطن كافراً.
وليس ثمة صنف رابع، وهم المؤمنون باطناً الكفار ظاهراً إلا في حال واحدة تعرض وليست أصلاً مطرداً، وهي حال الإكراه المذكورة في مثل قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106] كما حدث لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكَسَبِّ بعضهم للرسول صلى الله عليه وسلم بين يدي بعض اليهود ليطمأن إليه اليهودي حتى يتمكن من قتله، كقول: عبد الله بن أنيس في الحديث الثابت في الصحيح: (يا رسول الله! ائذن لي فلأقل، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكلامٍ يفارق به الإيمان لو كان قاصداً له، فهذه حال تعرض كحال الإكراه.