قال رحمه الله: [وتعالى عن الحدود والغايات، والأركان الأعضاء والأدوات، ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات].
هذه العبارات التي استعملها أبو جعفر الطحاوي رحمه الله ليست جملاً حسنة، وإن كنت إذا نظرت فيها قلت: إنه سبحانه منزه عن الأعضاء على إرادة أن الأعضاء هي التركيب الذي يقع للمخلوق، وهو افتقار كل جزء منها للآخر وأنه لا قيام له من جهة نفسه، لكن ليته لم يعبِّر بها لوجهين:
الأول: أن الله سبحانه وتعالى وإن كان متعالياً ومنزَّهاً عن سائر صفات النقص، ومتعالياً ومنزَّهاً عن الصفات التي تستلزم مشابهته أو مماثلته لخلقه، فإن هذه الأحرف ما كان أحد من السلف يعبر بنفيها، وإنما كانوا يستعملون طريقة القرآن في ذلك.
الوجه الثاني: -وهو الأخص- أن كثيراً من أئمة التعطيل من المتفلسفة كـ ابن سينا في كتبه (كالإشارات والتنبيهات أو التعليقات)، وكذلك في كتب المعتزلة وكتب متأخري الأشاعرة كـ أبي المعالي في (الإرشاد والشامل)، والشهرستاني في (نهاية الإقدام)، ومحمد بن عمر الرازي في (المطالب العالية) وغيره من كتبه، إذا تكلموا في مسألة العلو وغيرها من الصفات، عبروا عنها بما عبر به الإمام الطحاوي رحمه الله.
ومعنى الصفات الخبرية: هي الصفات التي اتصف الله سبحانه وتعالى بها.
وقد قال بعض المتأخرين في تعريفها: ما هي بالنسبة للمخلوقين أجزاء وأبعاض كاليدين والوجه.
وهذا التعريف فيما يظهر ليس مناسباً، ولا محتاجاً إليه، وإنما يُعبر عنها بأنها الصفات التي دل عليها الخبر، فإذا قيل: إن هذا التعريف ليس جامعاً مانعاً.
قيل: أصل التقسيم للصفات إلى خبرية وغير خبرية تقسيم مُحدث، فإذا انغلق تعريفه رُدَّ التقسيم من أصله، فإنه يصح بإجماع السلف أن تقول: إن سائر صفات الله سبحانه وتعالى خبرية؛ لأن صفاته سبحانه وتعالى معلومة بالخبر, وإن كان منها ما يكون معلوماً مع ذلك بالعقل كالعلم والقدرة والعلو وغير ذلك.
فمثل هذه التقاسيم -كما أشار شيخ الإسلام - لا تلزم من كل وجه، ولما ذكر شيخ الإسلام مصطلح الصفات الاختيارية قال: (إنه قد يُشكل عند بعض الناظرين فيه، فيرى أن بعض الصفات كأنه خبري أو نحو ذلك.
قال: فكل لفظ وقع فيه إشكال فإنه لا يلزم طرده واستعماله).
فالمعطلة إذا تكلموا عن هذه الصفات عبروا عن نفيها بما هو من جنس هذه الأحرف التي ذكرها أبو جعفر، ولا يعني هذا إثبات ما نفاه أبو جعفر من الألفاظ، فلا يقال: إن الله موصوف بالحد، أو بكونه في جهة، أو بأنه تحويه الجهات، بل الإثبات هنا أشد غلطاً من النفي، وإنما المقصود هنا أن ما كان من الحق فإنه يعبر عنه بما هو من الحق.
فهذه الأحرف أحرف مجملة تحتمل حقاً وتحتمل باطلاً وهي محدثة.