يجب على المسلمين تجاه إقامة حدود الله عز وجل وإقامة شرعه أن يعملوا بالظواهر، لكن لا ينسحب هذا الحكم على القلوب أو على مصائر العباد، فالقلوب ومصائر العباد أمور غيبية ولن تقوم القرائن عندنا إلا باستنفاذ جهد كبير، ولا يمكن أن يكون بمجرد التعامل العادي، فالسلف كانوا يفرقون بين إجراء الحكم على الظاهر وما يترتب على ذلك من أمور في تعامل الناس بعضهم مع بعض، وبين الجزم بما في قلب الشخص، فالجزم أمر لا يستطيع الناس أن يتناولوه، اللهم إلا إذا توافرت أمور مثل التصريح بالردة عن الإسلام أو نحو ذلك، هذا أمر مفروغ منه، لكن الكلام فيما يتعلق بالظواهر فقط، يعني: قد يظهر لبعض الناس أن أحد المذنبين كثير الفجور كثير الأعمال الخبيثة، وكثيراً ما يعرض عن بعض الخيرات، فيعتبر هذه قرائن على أنه خبيث النية، ومع ذلك لا يجزم بخبث هويته، ولذلك كان المنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تجرى الأحكام عليهم بحسب ظواهرهم، وكان المسلمون يعاملونهم بأحكام المسلمين، ومع ذلك هم منافقون في الحقيقة، ولكن لا يعلم نفاقهم إلا الله عز وجل ومن أطلعه الله، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أطلعه ربه على بعض المنافقين، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أطلع حذيفة على بعض المنافقين.
وهذا أمر انقطع الآن، فلا يقل أحد من الناس: إنه يعلم الباطن، إذاً يجب أن نفرق بين الحكم بالظاهر وبين الحكم على القلوب، فالحكم على القلوب صعب، ولا يصح إلا بأمور علمية شرعية لا بد من أن تتوافر فيها شروط، وأن تنتفي فيها موانع، وهذا من أكثر الأمور التي يخلط فيه الناس اليوم ويجهلونها.