ومن اللوازم أن فرعون وقومه كاملو الإيمان؛ لأن فرعون حينما زعم أنه هو رب الناس ما قال إلا الحقيقة؛ فحينما ألزمناهم بالقول بالحلول والاتحاد كان مؤدى ذلك أن الله حل في فرعون وغيره، فحينما قال: أنا الله فقد قال الحقيقة، والعجيب أن هذه المقولة انتصر لها أبرز حلولية المتصوفة، وهو ابن عربي، يقول بأن فرعون مؤمن، وله كتاب في هذا اسمه: (إيمان فرعون)، وهذا الكتاب موجود مطبوع، وأرجو -إن شاء الله- ألا تروه ولا تقرءوه، وقد حصلت عليه، وفلسفته موجودة إلى اليوم في فلاسفة الصوفية، كـ مصطفى محمود ومن نحا نحوه، يقولون بأن فرعون والحلاج وأمثالهما الذين ظهروا في التاريخ هم عباد لله، لكنهم شطحوا وتهوروا حينما أعلنوا الحقيقة، فالحقيقة لا يدركها إلا الخلص من البشر الذين يعرفون أن الله هو كل شيء، وكل شيء هو الله، وأنهم هم الله والله هم! هذه الحقيقة لا تدركها العامة، فحينما أعلنها فرعون تهور فعاقبه الله بالغرق، وهذه عقوبة شكلية فقط، وإلا فهو مؤمن.
والحلاج حينما قال: ما في الجبة إلا الله بزعمهم؛ قالوا: لأن الحلاج هو الله، لكنه أعلن الحقيقة أمام العامة، وسبب ذلك أنه ما استطاع أن يلغي الحقيقة حينما وصل إليها، فتهور وأعلنها أمام العامة، وهم لا يقصدون بالعامة العوام، فبعض الناس يظن أنهم إذا قالوا: العامة يقصدون العوام الجهلة عندنا، وليس كذلك؛ بل يقصدون بالعامة الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، فهؤلاء هم العامة عندهم وليس العوام، بل بعض العوام هم وإياهم على حال واحدة؛ لأنهم قد يطيعونهم ويسلمون لهم بغير شعور، وارجعوا إلى كتبهم فستجدون هذا المفهوم عندهم، يقصدون بالعامة علماء الشريعة، لذلك يسمون علم الشرع علم العامة، وهذا اللفظ موجود في كتب الصوفية إلى يومنا هذا، ومن الذي جاء به؟! أليس الأنبياء؟! يسمونه علم العامة، وعلم المساكين يقصدون بهذا أن الحقائق لا يدركها إلا الخلص الذين هم من الملاحدة والزنادقة.