القول بالحلول والاتحاد

قال رحمه الله تعالى: [وهذا القول قد أفضى بقوم إلى القول بالحلول أو الاتحاد].

الحلول والاتحاد بينهما بعض الفرق، وبعض الناس -أيضاً- يفرق بين ثلاثة ألفاظ ستأتي، فبين هذه المعاني وجوه تشابه ووجوه اختلاف، وسنقف عند الحلول والاتحاد، فالحلول يقصد به عند كل الأمم التي تقول به وعند حلولية الباطنية وحلولية الفلاسفة والفرق التي ظهرت في الإسلام: أن الله حال في كل شيء، وأنه ممتزج بالأشياء كامتزاج الروح بالجسد، وكامتزاج الماء بالعجين، تعالى الله عما يقولون، وهذا يؤدي إلى القول بأن الله خلق الخلق في الله، فيؤدي إلى وحدة الوجود.

أما كلمة الاتحاد فتعني ما هو أبلغ من ذلك، تعني: أن الخالق متحد بالمخلوق، فهو هو لا فرق بينهما، تعالى الله عما يزعمون.

قال رحمه الله تعالى: [وهو أقبح من كفر النصارى؛ فإن النصارى خصوه بالمسيح، وهؤلاء عموا جميع المخلوقات].

كفر الحلولية والاتحادية - كـ ابن عربي ومن نحا نحوه- أكبر من كفر النصارى؛ لأن النصارى زعموا أن واحداً من البشر حل فيه الله فقط، فالنصارى قالوا: عيسى هو الذي حلت فيه روح الله، أما هؤلاء الزنادقة فقالوا: الله حل في جميع المخلوقات حتى ما لا يليق ذكره، تعالى الله عما يزعمون.

قال رحمه الله تعالى: [ومن فروع هذا التوحيد: أن فرعون وقومه كاملو الإيمان، عارفون بالله على الحقيقة!].

يقصد بالفروع هنا اللوازم، فهو بدأ باللوازم، يعني: لوازم القول بأن إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب، ومن هنا أنكروا الصفات، فقولهم بإثبات ذات مجردة عن جميع الصفات، أو قولهم بإثبات وجود غير وجود الذات أدى إلى لوازم: اللازم الأول: هو الذي ذكره بقوله: إنه يؤدي إلى الحلول والاتحاد؛ لأنه -كما قال السلف- من ادعى أن الله ليس له أسماء ولا صفات، أو قال ببعض الأسماء، أو أنكر الأسماء وأثبت الصفات أو العكس، أو قال بأن الله موصوف بالصفات لكن هذه الصفات ليس لها معان، كأن يقول بأن الاستواء لا يقصد به الاستواء، أو قال بأن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بالفوق، ولا بأنه داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين ولا محايث، وليس له وجود ذاتي، ولا هو غير المخلوقات ولا هو هي، وليس بعرض ولا بجوهر؛ فإلى أي شيء تؤدي لآته هذه؟!

و صلى الله عليه وسلم إلى لا شيء، وهذا ما يريده الفلاسفة، فالجهمي لا يتورع عن أن يقول: إن الله لا شيء! بل قال الجهم بن صفوان: إن الله ليس بشيء! فهم لا يتورعون، وإنما الكلام فيما يلزمهم من لوازم.

يقول: إن من لوازم هذا القول: أنهم إذا قالوا بأن الله ليس كذا ولا كذا ولا كذا؛ فهذا يعني أنهم إن اعترفوا بوجود الله فأين سيكون؟! فهذا يؤدي إلى الحلول والاتحاد ولا بد، فإنكارهم أن يكون الله القاهر فوق عباده، وأنه سبحانه العلي بذاته، وأنه مستو على عرشه مع قولهم بوجود الله يعني أنه لا مقر لهذا الوجود إلا المخلوقات، فيكون الله عندهم حل بالمخلوقات أو اتحد بها تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015