قال رحمه الله تعالى: [وقد دل الكتاب والسنة على أصناف ملائكته، وأنها موكلة بأصناف المخلوقات، وأنه سبحانه وكل بالجبال ملائكة، ووكل بالسحاب والمطر ملائكة، ووكل بالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها، ثم وكل بالعبد ملائكة لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته، ووكل بالموت ملائكة، ووكل بالسؤال في القبر ملائكة، ووكل بالأفلاك ملائكة يحركونها، ووكل بالشمس والقمر ملائكة، ووكل بالنار وإيقادها وتعذيب أهلها وعمارتها ملائكة، ووكل بالجنة وعمارتها وغراسها وعمل آلاتها ملائكة، فالملائكة أعظم جنود الله، ومنهم: المرسلات عرفاً، والناشرات نشراً، والفارقات فرقاً، والملقيات ذكراً.
ومنهم: النازعات غرقاً، والناشطات نشطاً، والسابحات سبحاً، فالسابقات سبقاً، ومنهم: الصافات صفاً، فالزاجرات زجراً، فالتاليات ذكراً.
ومعنى جمع التأنيث في ذلك كله: الفرق والطوائف والجماعات، التي مفردها: فرقة وطائفة وجماعة].
أراد بهذا الاحتراز من وصف الملائكة بالأنوثية، وهذا من سمات المشركين والفلاسفة والعقلانيين وغيرهم من أهل الضلالة والبدع؛ فإنهم قد يصفون الملائكة بأنهم إناث.
فنظراً لأن مثل هذه الألفاظ قد تشير إلى معنى التأنيث في الإشارة إلى الملائكة، أراد أن يبين أن التأنيث هنا راجع إلى الجنس لا إلى الملائكة بأفرادهم.
فالملائكة فرق، والفرقة من حيث المعنى اللغوي توصف بالتأنيث، وكذلك الطوائف، فالطائفة لفظها اللغوي مؤنث، والجماعات لفظها اللغوي مؤنث، فلا يعني ذلك تأنيث الملائكة؛ لأن الملائكة لا يوصفون بذلك، إنما هذه الألفاظ تنصرف إلى جنس جماعة الملائكة وفرقها وطوائفها ونحو ذلك.
قال رحمه الله تعالى: [ومنهم ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، وملائكة قد وكلوا بحمل العرش، وملائكة قد وكلوا بعمارة السماوات بالصلاة والتسبيح والتقديس، إلى غير ذلك من أصناف الملائكة التي لا يحصيها إلا الله.
ولفظ (الملك) يشعر بأنه رسول منفذ لأمر مرسله، فليس لهم من الأمر شيء، بل الأمر كله لله الواحد القهار، وهم ينفذون أمره: {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:27 - 28]، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:50].
فهم عباد مكرمون، منهم الصافون، ومنهم المسبحون، ليس منهم إلا له مقام معلوم لا يتخطاه، وهو على عمل قد أمر به لا يقصر عنه ولا يتعداه، وأعلاهم الذين عنده: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:19 - 20] ورؤساؤهم الأملاك الثلاثة: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل الموكلون بالحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم.
فهم رسل الله في خلقه وأمره، وسفراؤه بينه وبين عباده].
الملائكة منهم السفراء الخاصة، كجبريل عليه السلام الذي جاء بالوحي إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإلى سائر الأنبياء.
ومنهم سفراء سفارة عامة، وهم الملائكة الذين يحيطون بعباد الله عز وجل بالرعاية والتدبير العام، وبالرعاية الخاصة بالمؤمنين، فالله عز وجل أوكل هذا الأمر إلى طوائف من الملائكة، وهذا من معنى السفارة العامة، أما السفارة الخاصة فهي الوحي الذي هو عن طريق جبريل.
قال رحمه الله تعالى: [فهم رسل الله في خلقه وأمره وسفراؤه بينه وبين عباده، ينزلون بالأمر من عنده في أقطار العالم، ويصعدون إليه بالأمر].
من السفراء الكرام الكاتبون، والملائكة الموكلون بالعباد الذين يتناوبون صباح مساء.
قال رحمه الله تعالى: [قد أطت السماوات بهم وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك قائم أو راكع أو ساجد لله، ويدخل البيت المعمور منهم كل يوم سبعون ألفاً لا يعودون إليه آخر ما عليهم].