ثبوت علو الله تعالى على خلقه بدليل العقل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعلوه سبحانه وتعالى كما هو ثابت بالسمع ثابت بالعقل والفطرة، أما ثبوته بالعقل فمن وجوه: أحدها: العلم البديهي القاطع بأن كل موجودين إما أن يكون أحدهما سارياً في الآخر قائماً به كالصفات، وإما أن يكون قائماً بنفسه بائناً من الآخر].

كلمة (قائم به) كثير ما يعبر بها أهل الكلام فيما يتعلق بالصفات وكثير من الأمور الغيبية، ويقصدون لزوم الشيء للشيء، يعني: الصفات الملازمة لله سبحانه.

وأحياناً يقصدون أن القائم بالشيء هو الذي يعد جزءاً منه، أو أنه غير منفصل عنه، فأبرز تعبيراتهم هي القائم بالشيء، أي: اللازم له الحاصل منه أو الحاصل فيه الذي لا ينفصل عنه، وهو تعبير فلسفي ينبغي أن يتفاداه المسلم إلا عند الضرورة عندما يضطر للرد.

قال رحمه الله تعالى: [الثاني: أنه لما خلق العالم فإما أن يكون خلقه في ذاته أو خارجاً عن ذاته، والأول باطل، أما أولاً: فبالاتفاق، وأما ثانياً: فلأنه يلزم أن يكون محلاً للخسائس والقاذورات! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

والثاني: يقتضي كون العلم واقعاً خارج ذاته، فيكون منفصلاً، فتعينت المباينة؛ لأن القول بأنه غير متصل بالعالم وغير منفصل عنه غير معقول.

الثالث: أن كونه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه يقتضي نفي وجوده بالكلية؛ لأنه غير معقول، فيكون موجوداً إما داخله وإما خارجه، والأول باطل، فتعين الثاني، فلزمت المباينة].

وهذه الأمور بدهية، وتكرير البدهيات كثيراً ما يشكل، ولولا أن المؤلف ساق هذا هنا في الرد على أناس ممن ينتسبون للعلم، ويفتن بهم كثير من المسلمين، خاصة في تلك العصور التي كانوا فيها أعلاماً، ينظر إليهم نظرة إكبار وإعجاب، كحال أبي المعالي الجويني قبل رجوعه، والرازي قبل رجوعه، والغزالي والشهرستاني والبغدادي وغيرهم من الذين كان كثير من الناس ينظر إليهم نظرة إكبار وإعجاب، فوجد منهم هذا التلبيس، فاضطر السلف إلى أن يردوا على هذه المقولة دفعاً للبس، وإلا فالمفروض ألا يتكلم المسلم بهذه الأمور لغير ضرورة قصوى خاصة في الأماكن العامة والدروس العامة.

لذا نجد أن الذين تصدوا لهذه الردود أحياناً يقولون أشياء غير لائقة، وبإمكانهم أن يعبروا عنها بتعبيرات أخرى سليمة، لكن الحرص على الرد والإمعان في رد هذه الشبهات جعلهم يقعون في مصطلحات وتعبيرات استعملها الخصوم.

فمثلاً: استعمال الشارح عبارة لا ينبغي لطالب العلم أن يستعملها أبداً، وهي قوله: أما ثانياً: فلأنه يلزم أن الله عز وجل يكون محلاً لكذا وكذا، والمفروض أن يعبر بتعبير يدل على المراد مجملاً، كأن يقول: يلزم منه أن يكون محلاً لما لا يليق، وهذا كاف؛ لأن أي إنسان مطبوع على الفطرة السليمة ينفر من أن يعبر عن الله بما لا يليق دون ذكر العبارات التي توقع في حرج، فالمسلم يجد حرجاً شديداً في أن يحكيها حتى وإن قالها هؤلاء الملبسون.

ولذا فإن ذكر هذه الأمور أحياناً يوجد أحياناً شيئاً من الإشكال عند الناس الذين هم على الفطرة، فلا يلجأ المسلم إلى هذا التعبير إلا عند الضرورة القصوى، أو في دروس خاصة من دروس العقيدة ونحوها، وأن يؤمن فيها عدم وجود الأحداث الصغار وعدم وجود العوام الجهال، وعدم وجود قليلي العلم الشرعي من المثقفين المغرورين ونحوهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015