الردود النقلية

قال رحمه الله تعالى: [فكيف إذا انضم إلى ذلك شهادة العقول السليمة والفطر المستقيمة والنصوص الواردة المتنوعة المحكمة على علو الله على خلقه، وكونه فوق عباده، التي تقرب من عشرين نوعاً: أحدها: التصريح بالفوقية مقروناً بأداة (من) المعينة للفوقية بالذات، كقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:50].

الثاني: ذكرها مجردة عن الأداة، كقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:18].

الثالث: التصريح بالعروج إليه، نحو: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم).

الرابع: التصريح بالصعود إليه، كقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10].

الخامس: التصريح برفعه بعض المخلوقات إليه، كقوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:158]، وقوله: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55].

السادس: التصريح بالعلو المطلق الدال على جميع مراتب العلو: ذاتاً وقدراً وشرفاً، كقوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255]، {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:23]، {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى:51].

السابع: التصريح بتنزيل الكتاب منه، كقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر:1]، {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر:2]، {تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت:2]، {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]، {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل:102]، {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان:1 - 5].

الثامن: التصريح باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده، وأن بعضها أقرب إليه من بعض، كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [الأعراف:206]، {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ} [الأنبياء:19]، ففرق بين من له عموماً وبين من عنده من مماليكه وعبيده خصوصاً].

يعني بذلك أن الله عز وجل له الملك كله، لكن فيما يتعلق بالعندية -أي: تخصيص بعض المخلوقات بأنها عنده- فإن هذا خص به بعض المخلوقات، الأمر الذي يدل على أنها أكثر رفعة وأعلى من غيرها.

قال رحمه الله تعالى: [وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه الرب تعالى على نفسه: (أنه عنده فوق العرش).

التاسع: التصريح بأنه تعالى في السماء، وهذا عند المفسرين من أهل السنة على أحد وجهين: إما أن تكون (في) بمعنى (على)، وإما أن يراد بالسماء العلو، لا يختلفون في ذلك، ولا يجوز الحمل على غيره.

العاشر: التصريح بالاستواء مقروناً بأداة (على) مختصاً بالعرش الذي هو أعلى المخلوقات، مصاحباً في الأكثر لأداة (ثم) الدالة على الترتيب والمهلة.

الحادي عشر: التصريح برفع الأيدي إلى الله تعالى، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً).

والقول بأن العلو قبلة الدعاء فقط باطل بالضرورة والفطرة، وهذا يجده من نفسه كل داع كما يأتي إن شاء الله تعالى.

الثاني عشر: التصريح بنزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى سفل.

الثالث عشر: الإشارة إليه حساً إلى العلو، كما أشار إليه من هو أعلم بربه وبما يجب له ويمتنع عليه من جميع البشر، لما كان بالمجمع الأعظم الذي لم يجتمع لأحد مثله، في اليوم الأعظم، في المكان الأعظم، قال لهم: (أنتم مسئولون عني فماذا أنتم قائلون؟)].

هنا يقصد كلام النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان الذي هو عرفة، في ذلك اليوم العظيم الذي جمع شرف الزمانين: يوم عرفة ويوم الجمعة.

قال رحمه الله تعالى: [(قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت)، فرفع أصبعه الكريمة إلى السماء رافعاً إلى من هو فوقها وفوق كل شيء قائلاً: (اللهم اشهد) فكأنا نشاهد الكريمة وهي مرفوعة إلى الله، وذلك اللسان الكريم وهو يقول لمن رفع أصبعه إليه: اللهم اشهد، ونشهد أنه بلغ البلاغ المبين وأدى رسالة ربه كما أمر، ونصح أمته غاية النصيحة، فلا يحتاج مع بيانه وتبليغه وكشفه وإيضاحه إلى تنطع المتنطعين وحذلقة المتحذلقين! والحمد لله رب العالمين.

ال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015