قال رحمه الله تعالى: [قوله: (فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه غير كائن ليجعلوه كائناً لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة)].
من المعلوم أنه يقصد بذلك ما لم يقدرهم الله عليه، فإن العباد جعل الله لهم شيئاً من القدرة في حدود معينة لا يتعدونها، وما يقدرون عليه لا يخرج عن تقدير الله عز وجل، وما يفعلونه لا يخرج عما كتبه الله عز وجل وسطره في اللوح والقلم.
فقصده: أنه لو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله أنه كائن ليخالفوا ما قدره الله ما استطاعوا، لكن ما قدر الله أن يفعلوه فعلوه، وما قدر الله لهم أن يختاروه يكون اختيارهم على ضوء ما اختاره الله لهم، بمعنى: أن لهم إرادة ولهم قدرة، لكنها محدودة ولا تخرج عما قدره الله وأراده.
قال رحمه الله تعالى: [تقدم حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (جاء سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله! بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيم العمل اليوم، أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، أم فيما استقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: يا غلام! ألا أعلمك كلمات؟ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وفي رواية غير الترمذي: (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).
وقد جاءت الأقلام في هذه الأحاديث وغيرها مجموعة، فدل ذلك على أن للمقادير أقلاماً غير القلم الأول الذي تقدم ذكره مع اللوح المحفوظ.
والذي دلت عليه السنة أن الأقلام أربعة، وهذا التقسيم غير التقسيم المقدم ذكره: القلم الأول: العام الشامل لجميع المخلوقات، وهو الذي تقدم ذكره مع اللوح.
القلم الثاني: حين خلق آدم عليه السلام، وهو قلم عام أيضاً، لكن لبني آدم، ورد في هذا آيات تدل على أن الله قدر أعمال بني آدم وأرزاقهم وآجالهم وسعادتهم عقيب خلق أبيهم.
القلم الثالث: حين يرسل الملك إلى الجنين في بطن أمه، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة.
القلم الرابع: الموضوع على العبد عند بلوغه، الذي بأيدي الكرام الكاتبين، الذين يكتبون ما يفعله بنو آدم، كما ورد ذلك في الكتاب والسنة].
ويتصل بالحديث عن الأقلام الحديث عن الكتابة، فكما أن الأقلام أربعة، فكذلك مراحل الكتابة أربع: الأولى: الكتابة العامة، وهي الكتابة بالقلم العام في اللوح المحفوظ.
والكتابة الثانية: الكتابة التي قدرها الله عز وجل وكتبها حين خلق آدم بالقلم الثاني.
والكتابة الثالثة: هي التي يكتب بها الملك ما يقدره الله عز وجل على كل إنسان حينما تنفخ روحه.
والكتابة الرابعة: الكتابة التي تلازم المكلف منذ بلوغه إلى أن يتوفاه الله عز وجل، فعلى هذا تصحب مراحل الكتابة الأقلام، وهناك أمور وسيطة بين هذه المراحل لا شك أنها داخلة في المقادير الأربعة، وداخلة في الأقلام الأربعة وفي مراحل الكتابة الأربع، مثل التقدير السنوي الذي يكون في ليلة القدر.