قال رحمه الله تعالى: [وفي حديث المعراج دليل على ثبوت صفة العلو لله تعالى من وجوه لمن تدبره، وبالله التوفيق].
من هذه الوجوه: أن هذا التفصيل الذي حدث، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم يعرج به إلى السماء وينتقل من سماء إلى سماء، فيكون في سماء الدنيا، ثم في الثانية وهي فوقها، ثم في الثالثة وهي فوقها، ثم في الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة إلى السابعة، ثم إلى سدرة المنتهى، ثم عند ذلك قربه من ربه عز وجل، هذا كله دليل على العلو الذاتي لله سبحانه، ثم ما ورد من عبارات صحيحة عن المعراج، وهي كون النبي صلى الله عليه وسلم صعد، وأنه في صعود إلى ربه، فدل هذا بالضرورة على علو الله عز وجل بذاته، وكذلك القرب، وقد ورد في نصوص صحيحة، فهو دليل على علو الله عز وجل الذاتي، وكذلك ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم تردد بين الله عز وجل وبين موسى، فهذا التردد دليل على العلو الذاتي لله عز وجل، وغير ذلك مما هو معلوم في قصة الإسراء ويعد ضرورة في إثبات العلو، وكل ذلك من الأمور التي ترد التأويل في العلو؛ لأن الجهمية أنكروا العلو مطلقاً ووصفوه بمعان أخرى، وكذلك تبعتهم المعتزلة، ثم جاء أهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم فأنكروا العلو الذاتي لله سبحانه، ومن هنا اضطروا لتأويل الاستواء واضطروا لتأويل النزول واضطروا لتأويل المجيء كما يليق بجلال الله عز وجل، واضطروا إلى لوازم أخرى كثيرة من إنكار أفعال الله عز وجل وتأويلها، وإنكار صفات الله الذاتية وتأويلها، فكثير من ذلك إنما حدث بسبب إنكار العلو والاستواء، ولذلك عد كثير من أهل العلم إنكار الاستواء هو أول بدع الجهمية، وأنه مفتاح التأويل والتعطيل، ومن أنكر الاستواء سهل عليه أن ينكر غيره، وكذلك لوازم الاستواء.
والمتكلمون يقولون: إن العلو هو العلو المعنوي، مع أن العلو المعنوي بدهي لا يحتاج إلى مثل هذه النصوص، إنما العلو الحسي الذي ربما تحار فيه العقول، وهو الذي يحتاج إلى تقرير على نحو إثبات الاستواء وإثبات الفوقية لله سبحانه، وإثبات أفعال الله عز وجل التي لها اقتران بالعلو، كالاستواء والنزول ونحو ذلك؛ فإنها دالة دلالة قاطعة على العلو الذاتي لله على ما يليق بجلاله سبحانه من غير توهم صورة ولا توهم التشبيه والتمثيل، فالله سبحانه يثبت له الكمال المطلق من كل وجه على ما يليق بجلاله دون أن يرتبط بذلك ما في الأذهان في عالم الشهادة وفي واقع المخلوقات.