قال رحمه الله تعالى: [ومما يدل على أن الإسراء بجسده في اليقظة قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:1]، والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح، هذا هو المعروف عند الإطلاق وهو الصحيح، فيكون الإسراء بهذا المجموع ولا يمتنع ذلك عقلاً، ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة، وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة، وهو كفر].
هناك أدلة أخرى أيضاً معلومة بالضرورة، وكل عقل سليم يسلم بها، ومنها أنه لو كان الإسراء والمعراج في المنام لما كان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، هذا من ناحية.
ولما أنكره المشركون من ناحية ثانية؛ لأنه لو قال رأيت في المنام أني فعلت وفعلت ما أنكروا عليه هذا؛ لأنه من باب الرؤى والأحلام، فلما كان الإسراء والمعراج بالجسم اشتد نكير المشركين الذين لا يؤمنون بالله ولا برسوله، ولا يسلمون ولا يصدقون.
ثم إن الإسراء لو كان بالروح ما احتاج إلى براق، أما المعراج فالصحيح أنه لم يكن بالبراق.
وسائر مشاهد الإسراء التي حدثت للنبي صلى الله عليه وسلم يدل سياقها على أنها بالجسد والروح، ولو كانت بالروح فقط لما كان لها اعتبار، ولما كانت إعجازاً ولا حجة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولما كانت فاصلاً بين المؤمنين والكافرين، ولما استعمل المشركون ما استعملوه من تهكم واستهزاء، ولو كانت مناماً لما احتيج إلى أن يسمى أبو بكر بـ الصديق؛ لأن الحلم يصدق به جميع الناس، فمن قال: أني رأيت البارحة أني فعلت وفعلت، لا يستطيع أحد أن ينكر عليه أنه رأى؛ لكن نظراً لأن الإسراء والمعراج كانا حقيقة بالجسد والروح صارت لهما هذه اللوازم ضرورية، والله أعلم.