الموقف الصحيح من لفظ الجهة

ويتبين الأمر بمثال آخر مفرد، وهو كلمة (جهة)، فبعض الناس يأتي ويقول: الله عز وجل منزه عن الجهة، فنقول له: كلامك هذا مجمل، فما قصدك بالجهة؟ فهذه الكلمة لم ترد في الكتاب والسنة وهي بدعة، فأنت تكلمت ببدعة، لكن حينما نفيت الجهة ماذا تقصد؟ فلابد من أن يقصد أحد أمرين: إما أن يقصد بالجهة العلو والفوقية والاستواء، وإما أن يقصد بالجهة المكان الذي يحصر الموجود.

فإن قصد بالجهة المكان الذي يحصر ويحيط بالموجود؛ فنقول: الله عز وجل لا يحيط به شيء، وهو سبحانه أعظم وأجل من أن تحيط به المخلوقات، فهذا المعنى منفي عن الله فعلاً، لكن لماذا سميته جهة؟! وإما أن يقصد بالجهة العلو والفوقية، فنقول له: أخطأت في نفي الجهة؛ لأنك حينما سميت العلو والفوقية جهة بهذا اللفظ أخطأت، فالعلو والفوقية والاستواء ثابتة لله عز وجل، لكننا لا نسميها جهة.

وكذلك لو أطلق إنسان الجهة على الله عز وجل على سبيل الإثبات وليس على سبيل النفي، فقال: أنا أطلق على الله الجهة، نقول له: ماذا تقصد؟ فإن قال: أقصد بالجهة أنه تحيط به الأشياء، قلنا: هذا باطل، ونرد اللفظة ومعناها الباطل، وإن قصد بإثبات الجهة إثبات العلو والفوقية والاستواء فنقول له: المعنى الذي قصدته بالجهة -وهو العلو والفوقية والاستواء لله عز وجل- صحيح، لكننا لا نحتاج إلى كلمة (جهة)؛ لأنها مشتبهة، فأخذنا المعنى ورددنا اللفظ، وهكذا كل مثال يرد من هذه الأمور المشتبهات، فما فيه من معنى صحيح نأخذه، لكن نرد اللفظ؛ لأن اللفظ مشتبه، وما فيه من معنى باطل نرده مع لفظه مطلقاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015