الموقف الصحيح من لفظ الأعضاء

نعود إلى التمثيل على هذه القواعد جميعها، فلنأخذ من ذلك (كلمة الأعضاء) على سبيل المثال: فإذا جاء إنسان وقال: الله عز وجل منزه عن الأعضاء، فظاهر كلامه أنه حق لأول وهلة؛ لأنه قد يفهم المعنى المباشر، وهو الأعضاء المعلومة عند المخلوقات، والله عز وجل ليس كمثله شيء، لكن إن كان المتكلم صاحب بدعة ومعروفاً بالاعتزال أو بالتجهم، أو بالحذلقة والجدال والمراء، أو بالتفلسف والتعالم والغرور، وأطلق هذه الكلمة ونحن نعرف من قرائن أحواله أنه متكلم أو متحذلق أو متعالم فلا يجوز له ولا يجوز لنا أن نأخذ هذا الكلام على إطلاقه، فنقول: نعم كلمة (أعضاء) لم ترد في الكتاب والسنة، لكن ماذا تريد بالأعضاء؟ إذ يحتمل عندنا مراد من ينفي عن الله الأعضاء -تعالى الله عما يتصوره المشبهة والممثلة وما يزعمه النفاة والمعطلة- احتمالين، فنقول له: ماذا تقصد بالأعضاء؟ فإن قصد بالأعضاء الجسمية المعهودة للمخلوقات فنفي ذلك حق، ولكن ينفى بدون إشارة إلى الأعضاء، فلا داعي لأن نقول: إن الله عز وجل منزه عن الأعضاء التي هي أعضاء المخلوقات لأن هذا أمر بدهي؛ لأن الله ليس كمثله شيء، فنقول له: نزه الله بما نزه به نفسه تسلم من هذه الفلسفات، فقل: ليس كمثله شيء سبحانه، أو قل: هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أو نحو ذلك من النفي المجمل الكامل الذي ينفي كل نقص عن الله عز وجل.

إذاً: إذا كان المتكلم يريد المعنى الباطل المعهود في الأذهان فنقره على ذلك، لكن نبين له أنه أخطأ في إطلاق كلمة أعضاء؛ لأنها قد تحتمل المعنى الآخر.

وقد يحتمل أن يقصد النافي للأعضاء نفي صفات الله عز وجل التي توهم أنها إثبات للأعضاء، فقد يكون قصد هذا المتكلم من المتفلسفة أو من أتباع الفرق الذين ابتلوا بالكلام في هذه الأمور -كالأشاعرة والماتريدية، والجهمية والمعتزلة ومن سار على سبيلهم أو تأثر بالفلاسفة- قد يكون قصده بنفي الأعضاء نفي ما أثبته الله لنفسه عز وجل من اليد والوجه والقدم والرجل ونحو ذلك مما هو ثابت في الكتاب والسنة، فنقول له: إن كنت تقصد بهذا نفي ما أثبته الله لنفسه فهذا باطل، لا يجوز لك أن تنفي ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته الله لنفسه حق، فقولك هذا لا تقر عليه، وتسميتك لهذه الصفات أعضاء خطأ.

إذاً: المعنى الذي نفى به كلمة (عضو) إن قصد به ما يتبادر إلى الذهن من مشابهة المخلوقات؛ فهذا منفي عن الله عز وجل، وإن قصد به ما ورد في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الله عز وجل التي يتوهم أنها تشبه صفات المخلوقات فيقال له: عبارتك ليست صحيحة، فنفيك للأعضاء من حيث إنها تشبه أعضاء المخلوقين حق، لكن بهذا التعبير خطأ، ونفيك للأعضاء بمعنى صفات الله عز وجل التي سميتها أعضاء باطل، ولا يجوز لك أن تنفي بهذه الطريقة، بل تنفي ما نفاه الله عن نفسه، وتثبت ما أثبته الله لنفسه.

وبقي المعنى الصحيح لكلمة أعضاء، وهو إثبات الصفات، فنقول: نثبت لله الصفات، وهو المعنى المقصود عند المتكلم حينما أخطأ، لكن نستغني عن كلمة (أعضاء) لأنها لم ترد في الكتاب والسنة، ولأن الله عز وجل وصف نفسه بصفات معينة تليق بجلاله، ولأن هذا اللفظ يشتبه الأمر فيه، فننفيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015