أحسن ما قرأت في الرد على المتكلمين بعد كتاب الله عز وجل وبعد ما عليه السلف من ردود عامة الناس الذين ليس عندهم تعمق، وهو رد فطري يمكن أن يستعمل دائماً في الرد على المتكلمين؛ هو رد تلك العجوز التي رأت الرازي وهو يمشي مع تلاميذه من المغترين به الذين يكتبون ما يقوله من هذيان الفلاسفة، فلما رأته وكانت جالسة بباب بيتها عجبت، وقالت: من هذا؟ قالوا: ألا تعرفينه؟! قالت: أهو السلطان؟! قالوا: لا، قالت: أهو الوزير؟! إلى آخره، تصورته من أصحاب الوجاهة الذين يكون معهم مواكب، فقالوا: هذا الذي يملك على وجود الله ألف دليل! فقالت: تعس وخسر، والله إن كان ذلك فعنده ألف شبهة أو ألف شك، أفي الله شك؟! فالمسألة معناها: أنه تكلف في الشكوك ثم تكلف الرد عليها، وقد قال بنفسه في كتابه (التفسير الكبير)، بأن أكثر معضلات أهل الكلام لا يمكن الرد عليها، وإن ردوا عليها فيستطيع الراد أن ينقض رده.
ولذلك كثيراً ما يورد بنفسه شبهة ثم يرد عليها ثم ينقض ردها، ويقول: ويرد على هذا كذا وكذا، ويشكل على قولنا هذا كذا وكذا، فيقف ولا يرد، مع أن أكثر الشبهات لا يرد عليها ابتداء، لكن إن رد أوقع القارئ في مشكلة أو معضلة، وشك في رده، ثم انتهى إلى الحيرة، وأخيراً اعترف بما سيأتي.