القاعدة الرابعة: أنه لا يمكن ولا يتصور عقلاً ولا شرعاً أن تأتي دلالة العقل مصادمة لدلالة الشرع، فهذا مستحيل، وقد يرد إشكال عند كثير من الناس، وهو الإشكال الذي أورده الفلاسفة لقصور فهمهم للشرع ولقضايا البدهيات الشرعية، بل حتى العقلية، وهذا الإشكال هو أن يقال: إذاً: ما معنى أن ترد بعض النصوص التي لا يعقلها بعض الناس؟! فنقول: هذا يرد بالنسبة لأفراد الناس، فأفراد الناس قد يرد عند أحدهم نص من نصوص الكتاب والسنة فلا يعقله، أو يشتبه عليه، أو يظنه لا يمكن عقلاً، لكن إذا تأملنا وجدنا أنه ليس العيب في النص، ولا يمكن أن يكون العيب في الوحي، ولا يمكن أن يكون العيب في كلام الله تعالى ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، بل يجب ويتعين أن نرجع إلى العقل نفسه؛ لأن العقل هو تفكير هذا الإنسان العاقل، وليس العقل شخصية مستقلة مجردة مقدسة أو منزهة عن الخطأ، بل العقل ما هو إلا نتاج التفكير عند هذا الإنسان، والتفكير راجع إلى المفكر نفسه، والمفكر إنسان ضعيف محدود الطاقة، محدود العلم، محدود التصور، محدود الخيال، يعتريه الخطأ والسهو والنسيان والخلل والهوى والوسواس وشبهات الشيطان ونزعات النفس الأمارة بالسوء، كل هذه تعتري العقل.
إذاً: فكيف يقال: إنه عارض النص أو: إنه لا يعقل النص؟! فمسألة تقديس العقل وإعطائه اعتباراً فوق الشرع مغالطة؛ لأنه ليس هناك عقل مجرد بين السماء والأرض يرجع إليه ويقال: إنه معصوم، فالعقل هو نتيجة تفكير العاقل، والعاقل هو هذا الإنسان المحدود الفاني الضعيف المحكوم بعوارض الحياة وعوارض الموت.
إذاً: فلا يتأتى عقلاً ولا شرعاً أن نتوهم أن يعارض العقل الشرع معارضة حقيقية، فلا يصح أن يقال: العقل يشهد بصحة ما دل عليه النقل، فهو الحاكم، كما ذكر عن الرازي وأمثاله.