فالمهم: أنه لما أراد أن يثبت أن دلالة الشرع ظنية زعم أن الشرع يتعرض لقوادح تمنع من أن يكون قطعياً، وهو يعترف في الأصل بأن الشرع مقدس، وأن الشرع دين الله، وهذا القدر من الاعتراف يوجد حتى عند طائفة من الكفار الخلص، لكن بعد الاعتراف يأتي بالاعتراض، وهذا منهج المنافقين، ومنهج الكفار، وإن لم يكن الرازي كافراً، لكنّه وقع في منهج الكافرين، ومنهجه منهج الفلاسفة، وإلا فلا نستطيع بمجرد هذه الشبهات تكفيره، إنما نقول: إنه ضل بهذه القواعد.
فالخلاصة: أنه أورد على الشرع قوادح، لعلي أذكر شيئاً منها من أجل أن نتصور القواعد التي سأقولها بعد قليل، فمن هذه القوادح زعمه أن دلالة الشرع متوقفة على الجزم بفهم ألفاظه، ولا سبيل إلى الجزم.
وهذه مغالطة ترد على الرازي نفسه، فيقال له: إذا كنا لا نجزم بصحة ألفاظ الشرع؛ فكيف تجزم بصحة ألفاظك أنت، وصحة ألفاظ الفلاسفة والمتكلمين؟ وكيف تقول: إن العقل قطعي مع أن العقل لا يعبر عن مراده ونتائجه إلا بلسان العاقل، وهل يكون لسان العاقل أصدق من كلام الله عز وجل؟! ثم قال بعد ذلك: إن نصوص الشرع نقلت إلينا -ويقصد بذلك الأحاديث- عبر الرجال، والرجال يعتريهم السهو والخطأ والنسيان إلى آخره، ثم أورد شبهة خاصة بأحاديث الصفات، فقال: إن أحاديث الصفات أغلبها ما رواه الصحابة إلا بعد سنين من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ألمح إلى أن الصحابة رووها بسبب أهواء الفرق، فكأنه يشير إلى أن الصحابة تكلفوا في وضعها، أو فهموها من النبي صلى الله عليه وسلم فهماً ولم ينقلوها نقلاً.
فجعل من القوادح أن أكثر الدين جاء عن طريق الآحاد، والآحاد كله ظني إلى آخره.
سيأتي إن شاء الله الكلام على القوادح في الجملة.