تقريرات المعتزلة ونحوهم من أغاليط الشيطان

قال رحمه الله تعالى: [وقد يطلق بعض المعتزلة على القرآن أنه غير مخلوق، ومرادهم أنه غير مختلق مفترى مكذوب، بل هو حق وصدق، ولا ريب أن هذا المعنى منتف باتفاق المسلمين.

والنزاع بين أهل القبلة إنما هو في كونه مخلوقاً خلقه الله، أو هو كلامه الذي تكلم به وقام بذاته، وأهل السنة إنما سئلوا عن هذا، وإلا فكونه مكذوباً مفترى مما لا ينازع مسلم في بطلانه.

ولا شك أن مشايخ المعتزلة وغيرهم من أهل البدع معترفون بأن اعتقادهم في التوحيد والصفات والقدر لم يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة، ولا عن أئمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما يزعمون أن العقل دلهم عليه، وإنما يزعمون أنهم تلقوا من الأئمة الشرائع.

ولو ترك الناس على فطرهم السليمة وعقولهم المستقيمة لم يكن بينهم نزاع، ولكن ألقى الشيطان إلى بعض الناس أغلوطة من أغاليطه فرق بها بينهم، {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة:176]].

الأغلوطة هي الأمر العقلاني المحير، فكل أمر ينبني على التعجيز والتعقيد العقلي والتحيير فإنه يسمى أغلوطة يغالط بها الإنسان من غير أن يفقه، فكل ما غالط به أهل الكلام والفرق أمور الشرع يعتبر أغلوطات، ولهذا نجدهم لا يتفقون على شيء منها، فكل واحد يتكلم بفهمه، وكل واحد له فهم غير فهم الآخر، وكل واحد يعتقد ما لا يعتقده الآخر، فهم يتجادلون على لا شيء، وهذا أمر بدهي، كلما تجادلوا في أمر الغيب تجادلوا على أوهام، فهذا خصمه يتوهم شيئاً وهو يتوهم شيئاً آخر، فيتنازعون على أوهام، وكل واحد ينازع في غير محل النزاع عند الآخر، فلذلك إذا قيل للمتكلمين أو أهل الأهواء في أمر خالفوا فيه الدين: حرروا مسألة النزاع أو موطن النزاع لا يمكن أن يحرروه.

أما الاجتهادات في الأحكام فيستطيع الناس بسهولة أن يحرروا موضع النزاع فيها ويتفقوا على شيء وينطلقوا من هذا الاتفاق، أما أصحاب الأغلوطات فلا يمكن أن يتفقوا إلا على أوهام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015