وأما تجديد الوسائل فليس ممنوعاً، فالوسائل من شئون الدنيا البحتة التي لكل أهل عصر أن يستحدثوا فيها ما شاءوا، بل من ضرورات الحياة أن تستحدث الوسائل بقدر ما يحدث للناس من مستجدات الحياة، والوسائل لا دخول لها في تجديد الدين، بل من تجديد الدين استخدام أحدث الوسائل لإحياء ما اندثر منه ولإماتة البدع ولإظهار السلوك الذي كان عليه السلف الصالح، فهذا من تجديد الدين، وأي منحى للتجديد لا يعتبر الوسائل ولا يعتد بها أو لا يستعملها لا ينجح في الغالب ولا يستقيم؛ لأن هذه سنة من سنن الحياة، فمن سنن الله في خلقه أن تكون الوسائل المعاصرة هي التي بها تقوم الأمم وتستقيم أحوالها، أي: الوسائل الدنيوية البحتة، ومن أراد أن ينقل الأمة في وسائلها إلى الصدر الأول فإنه سيقع في الحرج ويحرج الأمة، والأمة كانت تستحدث من الوسائل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة والقرون الثلاثة الفاضلة بقدر ما تحتاج إليه، حتى وسائل الجهاد، ووسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووسائل الدعوة، وقد كان الصحابة يستعملون ما لم يعرف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم فتحوا أقاليم جديدة، فدخل في الإسلام شعوب جديدة، وجاءت مفاهيم للناس في الأساليب وفي الأعمال والوسائل لا بد من تجديد فيها، فهذا أمر لا صلة له بالأصول والمناهج، فالدين يقوم على العقيدة والعمل، والعقيدة والعمل إنما يستقيمان بمنهج هو سبيل المؤمنين، والتجديد يشمل الأمور الثلاثة: العقائد، والأعمال، والمنهج الذي به تستقيم العقائد وتستقيم الأعمال، وهذا هو الذي يكون تجديده إحياءه من جديد، وهذه الأمور لا تختلف منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة، فالدين في أصوله ومناهجه وفي السنن الظاهرة والأعمال التي تتعلق بسنن الدين لا يختلف أبداً، إنما الذي تختلف هو شئون الدنيا، وللناس أن يحدثوا في شئون دنياهم ما يشاءون مما يخدم الدين ويقيم الحجة، وينصر الدعوة.
وليس المراد ارتكاب أي وسيلة، فالوسائل تحكم بالمصالح والمفاسد وتحكم بقواعد الشرع وبالفقه، أي أن الوسائل ليست بمعزل عن رأي الإسلام، بمعنى أنه ليس كل وسيلة يعمل بها البشر لا بد من أن تباح لمجرد أن تكون دنيوية، فهناك أصول في استعمال الوسائل، وهي أصول الاستدلال وأصول الشرع وأصول الاستنباط وقواعد الدين وأصول الفقه، فهذه أمور يحكم بها أهل العلم لمعرفة ما الوسائل المباحة؟ وما الوسائل المحرمة؟ لكن قصدي أن كون الوسيلة جديدة لا يعني أنها بدعة هذا ما أقصده، لا تدخل الوسائل في المبتدعات ولا في المحدثات، إنما الذي يدخل في المبتدعات والمحدثات هو ما يتعلق بالعقائد وما يتعلق بالسنن المنصوص عليها وما يتعلق بالعبادات، فهذه الأمور هي تشريعية توقيفية في أصولها، أو هي توقيفية في نصوصها ولو كانت اجتهادية في الاستنباط، وهي التي لا يجوز الابتداع فيها، وتبقى مسألة الوسائل وعرضها على الشرع وما يجوز فيها وما لا يجوز، هذا هو مجال أهل العلم وأهل الاجتهاد.