استوقفتني كلمة في الكلام عن محنته أحببت التعليق عليها مع أنها استطراد، لكن لعل في التعليق عليها فائدة، ففي الكلام عن محنته قال: [كان ينحو منحى التجديد والأصالة]، فهذه الكلمة قد تلفت النظر، فما معنى التجديد والأصالة؟ ربما يفهم بعض الناس أن هناك تناقضاً بين التجديد والأصالة، والحقيقة أن تجديد الدين ورد على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر بأن الله سبحانه وتعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من يجدد لها أمر دينها، ولذلك كثر الكلام في التجديد، لا سيما في الآونة الأخيرة عندما ظهرت المذاهب العصرانية العقلانية التجديدية التي تتبنى مذاهب وأفكاراً حديثة وتريد أن تصبغها بصبغة الإسلام، وكان الخطأ ناشئاً عن فهم التجديد وعن مفهوم التجديد، وباستقراء أقوال أهل العلم الذين تكلموا في مفهوم التجديد قديماً وحديثاً ممن يعتد بأقوالهم من أئمة السلف نجد أن التجديد يدور حول معنى متقارب عند جميع من عرفوه ممن يعتد بأقوالهم من المحققين، وهو أن التجديد استئناف الدين لا استبداله، استئناف الدين، أي: تجديده علماً وتأصيلاً، ثم تجديده عملاً وقدوة، وتجديد النهج الذي كان يسير عليه السلف الصالح، بمعنى: اعتقاده من جديد بعد ما اندثر، والعمل به من جديد بعدما اندثر، وليس المقصود بالتجديد استبدال العقيدة بعقيدة ولا الأصول بأصول ولا المناهج بمناهج ولا القواعد بقواعد جديدة، وأرى أن كثيراً ممن تكلموا عن التجديد -خاصة أصحاب الاتجاهات العصرانية من الإسلاميين إن صح التعبير- نكسوا هذا المفهوم وقلبوه، فزعموا أن التجديد هو استحداث مناهج جديدة، واستحداث أصول جديدة، واستحداث أفكار جديدة تتعلق بأصول الدين، وكذلك استحداث مظاهر للسلوك جديدة توائم العصر وتوائم المدنية والحضارة الغربية المعاصرة.
وأقول: هذا فهم منكوس تماماً، بل أرى أن من المعلوم بالضرورة أن هذا الفهم معكوس؛ لأن تجديد الدين هو إحياؤه من جديد، إحياؤه بعدما طرأت عليه البدع والمحدثات، وإحياؤه بعدما تغير في سلوك الناس، وإحياؤه بعدما ترك في التطبيق، فالمقصود بتجديد الدين هو العمل به كما عمل به أئمة السلف عقيدة وعملاً، وليس المقصود بتجديد الدين استحداث قواعد جديدة ولا مناهج جديدة، لا في العلوم ولا في العقيدة ولا في الأعمال.
إذاً: من معاني التجديد نفي ما طرأ وما حدث من البدع والمحدثات، سواء في الأفكار والقواعد أو في الأعمال.