قال: [الثاني: أن العقيدة ليست مذهباً اجتهادياً، بل هي الميزان الثابت الذي لا يضطرب ولا يطيش، إن العقيدة هي معرفة مراد الله تعالى من الديانة، ومن بعث الرسل وإنزال الكتب، وخلق الجن والإنس، ثم الاستقامة على هذا والعمل بمقتضاه، والرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة في العلم بمراد الله وفي العمل بمقتضاه، ولقد اقتدى الصحابة ثم سائر القرون المشهود لها بالخيرية بالرسول صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد الحق، وندب الله الأئمة في كل عصر لتبيين الاعتقاد الصحيح الذي هو العقيدة التوقيفية الجامعة، ومن القول الفصل الدال على أن الاعتقاد الصحيح هو الفرقان بين الحق والباطل: أن الذين التزموا هذه العقيدة استقاموا على الطريقة وصلحوا وأصلحوا في العلم والدعوة والحكم والعمل والجهاد، وأن الذين شذوا عن هذه العقيدة تفرقت بهم السبل وعظم فهمهم واضطربت أقوالهم وأفعالهم، وفسدوا وأفسدوا، قال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:32].
يقول ابن تيمية رحمه الله: وطريقتهم - أي: أهل السنة والجماعة - هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)؛ صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة، وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون، ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى أولو المناقب المأثورة والفضائل المذكورة، وفيهم الأبدال الأئمة الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة).
ويقول: ثم سأل نائب السلطان عن الاعتقاد، فقال - أي: ابن تيمية -: ليس الاعتقاد لي ولا لمن هو أكبر مني، بل الاعتقاد يؤخذ عن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف الأمة، يؤخذ من كتاب الله ومن أحاديث البخاري ومسلم وغيرهما من الأحاديث المعروفة، وما ثبت عن سلف الأمة.
ويقول: فقلت لا والله ليس لـ أحمد بن حنبل في هذا اختصاص، وإنما هذا اعتقاد سلف الأمة وأئمة الحديث، وقلت أيضاً: هذا اعتقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل لفظ ذكرته فأنا أذكر به آية أو حديثاً أو إجماعاً سلفياً، وأذكر من ينقل الإجماع عن السلف من جميع طوائف المسلمين والفقهاء الأربعة والمتكلمين، وأهل الحديث والصوفية].