قال رحمه الله تعالى: [ويقولون في كتبهم: إن من جملة المجسمة قوماً يقال لهم: المالكية، ينسبون إلى رجل يقال له: مالك بن أنس، وقوماً يقال لهم الشافعية، ينسبون إلى رجل يقال له: محمد بن إدريس.
حتى الذين يفسرون القرآن منهم -كـ عبد الجبار والزمخشري وغيرهما- يسمون كل من أثبت شيئاً من الصفات وقال بالرؤية مشبهاً، وهذا الاستعمال قد غلب عند المتأخرين من غالب الطوائف].
يشير بهذا إلى أن المؤولة -كمؤولة الأشاعرة ومؤولة الماتريدية والكلابية- يسمون أهل السنة والجماعة بالمشبهة والمجسمة، وقد نبتت نابتة من غلاة الأشاعرة المتأخرين ما فتئت تطلق على أهل السنة لفظ (الحشوية) بأسلوب فيه سخرية ولمز، حتى لأئمة السنة الكبار أهل الحديث المشهورين، بل منهم من تجرأ على متأخري الصحابة وقال: بأن هؤلاء رووا للناس أحاديث الحشوية، ويقصد أحاديث الصفات.
إذاً: ليس الجهمية والمعتزلة الذين يلمزون أهل السنة بذلك فقط، بل المتكلمون من الأشاعرة يقولون لأهل السنة إلى اليوم بأنهم حشوية، ويقولون بأنهم مشبهة ومجسمة، وهذا أيضاً كثر أخيراً عندما بدأت تظهر مؤلفاتهم وبدءوا يقررون مذهبهم مقابل مذهب أهل السنة والجماعة في الآونة الأخيرة.
والخلاصة أن مسألة التشبيه من الألفاظ التي أصبحت تلعب بها الفرق، فالغلاة جداً في التعطيل -كغلاة الجهمية وكالقرامطة والباطنية- يسمون كل من أثبت شيئاً من الأسماء والصفات مشبهاً، حتى إن غلاة الجهمية يسمون المعتزلة مشبهة؛ لأنهم أثبتوا الأسماء.
ثم بعد ذلك تأتي في الدرجة الثانية المعتزلة نفسها، فالمعتزلة تثبت الأسماء وتنكر الصفات، وتخالف المعطلة، بمعنى: أنها تثبت شيئاً، فالمعتزلة يقولون لأهل السنة والجماعة وللماتريدية وللأشاعرة وللكلابية بأنهم مشبهة ومجسمة وحشوية.
وفي الدرجة الثالثة من دون المعتزلة، وهم الذين تأثروا بالمقولات الجهمية في مسألة التأويل، أخذوا جانب التأويل من الجهمية والمعتزلة، وهم المتكلمون من الأشاعرة والماتريدية والكلابية ومن نحا نحوهم، فهؤلاء -نظراً لأنهم يؤولون بعض الصفات- يقولون لأهل السنة -لأنهم يثبتونها كما أثبتها الله لنفسه وكما أثبتها الرسول صلى الله عليه وسلم له- بأنهم مشبهة وحشوية ومجسمة.